سيناء برافر القصيرالمصرية
د. نسيب حطيط
تشكل سيناء "فالقاً" زلزالياً على المستويين الأمني والسياسي بين ثلاث أطراف تربطهم علاقات معقدة بين العداء والسلام الضبابية ويتمثلون بالعدو الإسرائيلي ومصر وحركة حماس وتتحكم بمسار العلاقات البينية منظومة أمنية وسياسية وديمغرافية معقدة من إتفاقية كمب ديفيد إلى العلاقة التاريخية بين غزة ومصر والعلاقة العقائدية والتنظيمية بين حركة حماس وجماعة الإخوان المسلمين والتفاهمات الإسرائيلية - الحمساوية بضمانة الإخوان المسلمين في مصر.
تمثل سيناء صندوق بريد بين الأطراف الثلاثة ومن خلالهم إلى المشهد الإقليمي والدولي ،فبعد إنتصار ثورة 25 يناير على حسني مبارك سقط الحاكم ولم يسقط النظام، وتحررت سيناء من الرقابة الأمنية نتيجة التساهل الإخواني مع حركة حماس واستراتيجية عدم الصدام مع السلفية التكفيرية التي ارتحلت إلى سيناء بحماية البدو وازدهرت عمليات التهريب والأنفاق ، وشعرت حماس بأنها "الحاكمة" في مصر وليست ضيفاً بل من أهل الحل والعقد ومن أهل السلطة الإخوانية كما صرح إسماعيل هنية بأن "حركة حماس هي الذراع الجهادية لحركة ألإخوان المسلمين".
إن مسألة تهديد الإخوان المسلمين بتفجير الأوضاع في سيناء مقابل إعادة الرئيس المعزول إلى السلطة يؤكد أمرين اثنين:
أولاً : سيطرة الإخوان المسلمين وحماس والجماعات التكفيرية على سيناء.
ثانياً : استخدام سيناء كورقة تفاوض وإبتزاز للجيش المصري.
والأخطر من ذلك هو العلاقة الجدلية بين سيناء ومشروع "برافر" الإستيطاني حيث تقول بعض المصادر وتؤكدها بعض السلوكيات الميدانية وكذلك مبادرة (مبادلة الأراضي)التي تبنتها الجامعة العربية في واشنطن فإن تهجير الفلسطينين من النقب ومصادرة حوالي 800 ألف دونم سبقه تعهد "أخواني" وإتفاقيات برعاية أميركية وتمويل عربي وقبول حماس تحت عنوان توسيع "دولة غزة" بحيث يتنازل الإخوان عن جزء من مساحة سيناء ما يقارب حوالي 2000 كلم2 من اصل حوالي 60 ألف كلم2 (مساحة سيناء ) مقابل حوالي 9مليارات دولار تؤمنها قطر لتسهيل ولادة دولة (غزة الكبرى )وفق ما دعا إليه حاخامات اليهود وعلى رأسهم الحاخام "فتسنجر" والذي طالب أميركا وأوروبا باستكمال وعد بلفور بتمويل عربي، وتكفي هذه المساحة لبناء مقومات دولة مستقلة تتسع لحوالي مليوني نسمة وإقامة ميناء بحري وبناء مطار في الجنوب الغربي ويبدأ هذا المشروع بنقل عرب النقب إلى سيناء نظراً للترابط القبلي مع بدو سيناء ويضاف إلى دولة "غزة الكبرى" بعض الأراضي من الأردن بموافقة ورعاية التنظيم الدولي للإخوان المسلمين حيث أن حماس والإخوان المسلمين في مصر والأردن يأتمرون بقرار مركزي واحد عبر التنظيم الدولي.
ولتمرير هذه العملية الكبرى التي تلغي مفهوم تحرير فلسطين وعودة اللاجئين فإن جماعة الإخوان يعتمدون على شعار مبدأ "الخلافة " التي لا تعترف بالحدود الجغرافية التي وضعت إستعماريا بل تعتمد على مفهوم "الخلافة" العامة والأمة الواحدة والولايات اللامركزية كما كانت في عهد الخلفاء الراشدين وفي الخلافتين الأموية والعباسية فشعار إقامة الخلافة كلمة حق يراد بها باطل لتضييع القضية الفلسطينية وبالتالي حماية الكيان الإسرائيلي والإبقاء على الدولة اليهودية المفترضة..
إن سيناء هي بؤرة الإستنزاف العسكري والأمني للجيش المصري والتي يخطط لها أن تطول لإلهائه عن التفرغ للداخل المصري من جهة وفرض الشروط والإبتزاز السياسي من جهة أخرى حتى تصل الأمور إلى الإنفلات الكامل وإعلان سيناء منطقة تهدد السلام العالمي عبر تهديد قناة السويس وخليج العقبة مما يستدعي تدخلاً لوصاية دولية تمثل المقدمة لإقامة "غزة الكبرى"".
سيناء تمثل غرفة العمليات الأمنية للإخوان وحماس لمواجهة الجيش المصري في الداخل واستنزافه في خاصرة سيناء وفي اللحظة المناسبة سيتم تهديد الملاحة في قناة السويس بأسماء وهمية تمثل الأقنعة الأمنية للإخوان وحماس بأسماء تكفيرية وسلفية، ويمكن تشبيه سيناء الآن على المستوى الأمني واللوجستي بدور "القصير" في سوريا كغرفة عمليات وخطوط الإمداد بالسلاح وحديقة خلفية للمقاتلين ومن يمسك سيناء يستطيع حسم المشهد المصري لصالحه وإذا بقيت حالة إنعدام الأمن والإستنزاف اليومي للجيش والشرطة سيبقى عدم الإستقرارفي الداخل المصري..
إن فشل مشروع الإخوان في مصر سيؤثر على بقية الساحات العربية أو ما يسمى "بالحريق العربي" ولا بد للإخوة في حماس أن يعودوا إلى بنادقهم ووجهتم الأساس وهي فلسطين ولا يفتشوا عن أراض عربية مجاورة لإقامة الوطن البديل تحت تسميات عقائدية خادعة وباطلة، فالأساس ليس الحفاظ على الحدود بل الأساس إقتلاع الصهاينة من فلسطين واسترداد الحقوق وعودة اللاجئين وعندما تصبح الأمة نظيفة من الداخل بعد زوال الإحتلال يمكن الحديث عن إلغاء الحدود، وقبل ذلك لا بد من إلغاء الحدود الفكرية والعقائدية فالحدود بين المذاهب والطوائف والأحزاب و بين حركات المقاومة أكثر سماكة وارتفاعاً من حدود الجغرافيا فحدود التكفير والتخوين تتسلل إلى كل بيت وشارع ومدينة حتى داخل المذهب الواحد لتصل إلى العقيدة فيتحول (الذبح) جهاداً و( زنا النكاح )جهاداً ويصبح تحرير فلسطين ليس من الأولويات عند بعض حركات المقاومة!.
سيناء مفتاح مصر وغزة ومن يمسكه يتحكم بالمستقبل و القتال عليه سيكون مكلفاً وطويلاً لأن العدو الإسرائيلي يغذيه في الخفاء طالما أنه الرابح من القتل والقتل المضاد الذي ينهك المقاومة في فلسطين ويستنزف الجيش المصري بعدما استنزف الجيش السوري وأبيد الجيش العراقي وها هو على مشارف إعدام الجيوش العربية المقاتلة وحصار واستنزاف حركات المقاومة وهذا هو الربيع اإسرائيلي- الأميركي وخريف العرب والمسلمين.