في غمرة الأحداث الأليمة التي يتعرض لها العالم العربي من مصادرة لقراره السياسي وثرواته الإقتصادية ليتحول إلى أمة مشلولة لا تملك قرارها,وبعد ما كان العرب يسوقون الحجج والتبريرات لهزيمتهم أمام إسرائيل,القوة التي أدخلت الرعب إلى قلوب العرب جميعاٌ مع واقع عدم التناسب في العدد والمساحة والثروات,إلا أنهم سقطوا أمامها جميعاٌ من فلسطين ومصر والأردن وسوريا ولبنان الذي إستطاع مع ضعفه ولكن بقوة إرادة شعبه أن يستعيد ما خسره من أرض وكرامة وعزة.والمستغرب في الأمر أن بلداٌ فقيراٌ وضعيفاٌ مثل أثيوبيا يستطيع أن يأخذ قراراٌ بالتدخل في الصومال ويجتاح هذا البلد بحجة أن حكومته المشلولة والغير موجودة حتى على الأرض الصومالية قد طلبت ذلك,و لا يستطيع العرب أن يقفوا بوجه هذا الإجتياح بل يتم الإكتفاء ببعض الإستنكار الخجول للجامعة العربية والأسوأ من ذلك تفهم بعض الدول العربية لهذا الإحتلال بما يحفظ مصالح أثيوبيا.صحيح أن التدخل الأثيوبي جاء بغطاء وبقرار أميركي ثأراٌ للهزيمة الأميركية في الصومال في التسعينات, ضمن الخطة الأميركية البديلة عن الإجتياح الأميركي المباشر الذي أثبت فشله في أفغانستان والعراق ولبنان(عبر الحرب الإسرائيلية)حيث بدأ الأميركييون تجربة الحرب بالأجرة أو البندقية البديلة حيث يتم تكليف بعض الأنظمة بالحروب الداخلية والأقليمية. على أن توفر الإدارة الأميركية الغطاء السياسي عبر الأمم المتحدة وما يسمى بالمجتمع الدولي الذي يأتمر بأداء الإدارة الأميركية. إذا نجحت الحرب البديلة يستثمرها الأميركيون عند إنتهاء المعارك دون أن يكونوا قد دفعوا أي خسارة مباشرة بالأرواح أو بالسياسة وإذا فشلت هذه الحرب يكون الأميركييون بمنأى عن تداعياتها السياسية والإقتصادية ولا بد من التعمق في دلالات التدخل الأثيوبي في الصومال ضمن العناوين التالية:
-إن أثيوبيا ستشكل القائمة الثالثة في آلة الحرب الأميركية للسيطرة على الشرق الأوسط( أميركا-إسرائيل-أثيوبيا)على أن تشكل القائمة الرابعة القوى المحلية في كل بلد عربي تحت عنوان دعم الديمقراطية المستولده أميركياٌ وحماية الأنظمة المعتدلة.
2- إن سيطرة اثيوبيا كقوة اقليمية في القرن الأفريقي,المطل على خليج عدن وبحر العرب يوفر لها مركزا اقتصاديا وسياسيا وتجارياٌ يعزز قدراتها الإقتصادية ويسمح للأميركيين بإضافة قواعد آمنة داخل الأرض الأثيوبية بعد تأمين الإمداد البحري.
-إن خليج عدن هو المدخل الأساس لقناة السويس التي تشكل العمود الفقري للإقتصاد المصري إلى جانب السياحة.وبالتالي فإن الإدارة الأميركية تحتفظ بهذه الورقة للحظات الحاسمة خاصة وأنها على أبواب زعزعة النظام في مصر عبر طريقين:
أ- النفخ في نار الصدام بين النظام والأخوان المسلمين لإلهاء النظام ومنعه من أي دور خارجي واضعافه.
ب-البدء بتحريض الأقباط ضد النظام لإستعاده حقوقهم وقد بدأت الحملة بشق الكنيسة القبطية لعدم تجاوب البابا شنودة تاريخياٌ مع المشروع الأميركي وترافق ذلك مع بعض الحوادث بين المسلمين والأقباط وصولاٌ إلى إصدار كتاب في الأسبوع الماضي يحرض على قتل الأقباط ويستبيح دماؤهم لتبدأ الحرب الإعلامية والترهيب الإعلامي للأقباط لدفعهم إلى سلوك الدفاع عن النفس شكلاٌ لكنه سقوط في المشروع الأميركي.
وبالتالي فإن إخراج مصر من المعادلة السياسية عبر الحصار في قناة السويس والمشاكل الداخلية مع الأخوان المسلمين حيث أنه من غير المنطق أن يحظر حزب ديني في بلد كمصر عرفت بالإلتحام بين الديني والسلوكي كنمط حياه وفيها المؤسسة الأم للمذاهب الإسلامية السنية (الأزهر الشريف)وإذا كانت الأحزاب الدينية ممنوعة والأحزاب الشيوعية ممنوعة والأحزاب العلمانية غير ممكنة فأي أحزاب يمكن أن تنشأ في مصر غير الأحزاب الفارغة والأحزاب الصورية.وبالتالي فإن الحرب التي شنت ضد الإجماع العربي تستمر بضرب الدينمو السياسي العربي الفاعل(مصر-السعودية-سوريا)فمصر على طريق الزعزعة الداخلية كما أشرنا سابقاٌ,وسوريا محاصرة تحت عنوان جريمة إغتيال الحريري وسيف المحكمة الدولية, والسعودية ودول الخليج حوصرت بعدم التمدد والتأثير الخارجي بمنعها من إعطاء المساعدات للجمعيات الخيرية الإسلامية بحجة منعها من دعم القاعدة ومن ثم توجيه ضربة إقتصادية مؤثرة عير خسائر البورصة والأسهم التي انهكت المجتمع المدني السعودي بشكل كوارثي على صعيد العائلات وعلى صعيد المملكة حيث تم مصادرة مبيعات النفط للعام2006 بشكل كامل,وفي مجلس التعاون الخليجي. فأن اذكاء الخلاف بين قطر والسعودية والكويت والعراق كفيلان بتفجير أي موقف موحد من أي قضية عربية داخلية أو خارجية وبالتالي فإن المشهد السياسي العربي يثير الشفقة على أمة مشتتة ومتناحرة ويتم إختراقها وحصارها من الجهات الأربع لمصادرة مستقبلها وتاريخها وثرواتها.فإسرائيل على البحر المتوسط مع ذراعها العسكري الرادع والطويل وأثيوبيا المستجدة على بحر العرب وخليج عدن بإحتلالها الصومال وأميركا القوة الإقليمية المحتلة في العراق والخليج العربي براٌ وبحراٌ وحركات الإنفصال والتقسيم في جنوب السودان والشمال,فترى أن خريطة العالم العربي صارت شبيهة(بالمنخل السياسي والأمني)تتعدد فيه القواعد العسكرية ومستلزماتها مما يفقدها الإستقرار الأمني والإقتصادي ويفقدها وحدة وإستقرار الموقف السياسي.يضاف إلى ذلك دعم حركات المعارضة الداخلية للأنظمة كقفازات سياسية تستدعي التدخل الأجنبي نظراٌ لما تتعرض له الشعوب من قمع وحرمان على جميع الأصعدة مما يفتح المجال للإستعانة بالخارج والإستقواء به لتأمين التوازن الداخلي وبما أن الخارج ليس جمعية خيرية تعطي دون أثمان فإن العالم العربي مرشح بشكل منهجي للزعزعة الأمنية والإضطراب السياسي ليتكامل ذلك مع خطة الاحتلال المباشر والقواعد العسكرية والحروب الأميركية البديلة.فإذا استطاعت إثيوبيا أن تهزم العرب فأي مستقبل سياسي لهذه الأمة,غير بعض القوى المقاومة والممانعة والتي تتعرض للحصار الداخلي والخارجي لينام الأميركي والأسرائيلي بهدوء دون ازعاج من احد, فهل تستسلم الشعوب مثل الأنظمة أم تثور لكرامتها ومصالحها وتقرر مصيرها دون مصادرة .والخطوة الأولى هي الوحدة الوطنية والاتفاق على مصطلحات السيادة والأستقلال والتحالفات,لحسم الأزدواجية والالتباس في تعريف هذه المصطلحات,لتأطير الجهود للانقاذ الوطني وحفظ مصالح المواطنين والأقتناع بأن الخارج مهما كان لن يكون رحيما بهذا الوطن أكثر من أهله ومواطنيه,فهل يتنازل اللبنانيون لبعضهم بدلا من التنازلات للخارج... ليبقى الوطن.؟