أظهرت حادثة الاعتداء على الأقباط عشية عيد الميلاد وسقوط عدد من الضحايا خطورة الوضع الوجودي والوطني للأقباط في مصر، والذين يتجاوز عددهم السبعة ملايين، و يعمل على استدراجهم ليكونوا ضحايا فتنة داخلية مع إخوانهم المسلمين(الغلابة)المصريين، و قد شكل حرمان الأقباط المصريين من حقوقهم كمواطنين ، نافذة واسعة أمام التدخل الخارجي من خلال استغلال غضبهم المكبوت لمطالبتهم بالمساواة، التي منعها عنهم أولو الأمر الرسميين مما شرع النوافذ امام المشاريع الخارجية لإحداث بؤر التوتر، كما يحصل في دارفور وجنوب السودان ،أو كما يحصل في شمال اليمن، وكما يحصل في العراق.
وتطرح مشكلة الوجود المسيحي في الشرق وخاصة في الوطن العربي علامة استفهام كبيرة حول المحرض والمخطط لاقتلاع المسيحيين العرب من أوطانهم بأدوات تنفيذية محلية غير واعية، وبتخطيط خارجي ذكي بقيادة أميركية- صهيونية، تظهر من خلال النتائج الخطيرة على مستوى الوقائع الميدانية ،فبعد الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين تم مصادرة ومحاصرة كل ما يمت إلى المسيحية بصلة، وتم تهجير المسيحيين من فلسطين والأماكن المقدسة مهد السيد المسيح(ع)ولم يبقى سوى مائتي ألف مسيحي فلسطيني محرومين كبقية الفلسطينيين من حريتهم وحقوقهم، وكان الاحتلال الإسرائيلي وراعيه البريطاني وحليفه الأميركي المسؤولين الحصريين عن ذلك.
وفي لبنان عند بدء الحرب الأهلية وتوريط بعض المسيحيين فيها عبر العلاقة مع إسرائيل ،جاء العرض الأميركي عبر(كيسنجر)لترحيل المسيحيين إلى كندا وغيرها من البلدان وهذا ما رفضه الرئيس فرنجية وبعض أركان الجبهة اللبنانية آنذاك، وبعد الاحتلال الأميركي للعراق تعرض المسيحيون في هذا البلد، لعمليات الترهيب والقتل مما دفعهم إلى الهرب والهجرة ،ولم يبقى منهم أكثر من ثلث عددهم من العجائز وخدام الكنائس، مع أنهم تحت حماية الاحتلال الأميركي- المسيحي الديانة- وفي جنوب السودان وطمعا بالثروات الطبيعية للمنطقة تم توريط المسيحيين السودانيين بحرب أهلية مع الشمال، لأكثر من ثلاثة عقود وهي باتجاه الانفصال لإقامة دولة مسيحية في أفريقيا، والظاهر أن هذا المخطط يتابع مسيره باتجاه مصر لعدة أهداف، في لحظة وجد فيها الأميركيون أن النظام في مصر لم يعد قادرا على تقديم الخدمات للإدارة الأميركية، ولم يعد قادرا على لعب دور عربي على المستوى الإقليمي إضافة إلى مآزقه الداخلية وعلى رأسها مشكلة التوريث الرئاسي مما دفع الأميركيين والإسرائيليين للضغط على النظام المصري للقيام بأعمال وإجراءات أدت إلى عزله عن محيطه العربي والإسلامي وجعلته في موقع الدفاع عن النفس واستعان بالفتاوى لحماية قراراته اللاإنسانية والتي جعلت من الأوروبيين والأتراك وغيرهم يمدون غزة بقافلة (شريان الحياة)بينما تمنع مصر بجدارها الفولاذي الحياة عن غزة، وتمد الكيان الإسرائيلي بالغاز للتدفئة وطهو الطعام الممنوع عن المحاصرين في غزة.
والسؤال المطروح بعد قتل الأقباط في الميلاد... هل بدأ توليد الفتنة الطائفية في مصر..؟خاصة وأنها المرة الأولى التي يتم احتضانها من الفاتيكان الذي دعا إلى اجتماع خاص في الخريف المقبل لدراسة أوضاع المسيحيين العرب متزامنة مع المظاهرات القبطية في النمسا وفرنسا وروما وغيرها من العواصم الأوروبية.
والسؤال الأكثر إلحاحا" من يتحمل مسؤولية الفتنة... هل يسعى النظام إلى إشعال الفتنة لتمرير التوريث وإلهاء المواطنين المسلمين عن قضاياهم وحشدهم غوغائيا" باتجاه إخوتهم المسيحيين؟خاصة بعد الاختبار الذي كان ناجحا بعد مباراة الجزائر-مصر وما أعقبه من اجتماع لمجلس الأمن القومي واستنفار للإعلام ؟أم أن الذي يشعل الفتنة هو الموساد الإسرائيلي الذي لن يغفر للأقباط (وللأنبا شنودة) الذي لم يؤيد السلام مع إسرائيل وبقي مدافعا عن الحقوق العربية؟حيث لا يزال الإسرائيليون يتعاملون مع مصر بأنها عدو أساسي ويجب إنهاكه وتوجيه الضربات إليه والجدار العازل الذي بدأت فيه إسرائيل خير شاهد .
هل تنجح النخب الواعية المصرية والقوى السياسية لاستنقاذ مصر من الفتنة؟أم سيتورط الجميع بإقامة المذبحة لينضموا إلى بقية المذابح العالم العربي.