لقد وصلت حالة الأمةا لعربية ، شعوبا" وأنظمة ومؤسسات ،إلى مستوى من الضعف والذل(إلا بعض الاستثناءات) بحيث لا تستطيع الدفاع عن نفسها وحماية حقوقها وثرواتها، واسترجاع مقدساتها وأراضيها، إلا عبر الاتفا قيات الأمنية والاقتصادية مع أميركا وإسرائيل،التي تشكل الاسم العالمي الجديد(للاحتلال) بحيث يصبح الاحتلال مطلبا" وطنيا" توقع عليه الحكومات تحت الضغط، وتستدرج الشعوب للاستفتاء والموافقة عليه،خوفا" من التنبؤات التي يطلق عنانها مسؤولوالداخل والإعلام الخارجي ،الذي يبشر بالحروب الأهلية والطائفية،والتطهير العرقي وغيرها من الويل والثبور.
وأولى اتفاقيات الذل، كانت اتفاقية كامب دايفيد بين مصر والكيان الصهيوني عام1978 التي أكدت عجز الأمة عن استرجاع الأرض بالقوة، واستجداء السلام مقابل الأرض والتطبيع، الذي تفرضه الحكومات والأنظمة وترفضه الشعوب حتى الآن.
وتوالت الاتفاقيات الأمنية تحت عنوان التعاون وتبادل الخيرات، فتم التوقيع مع الكويت والسعودية وبلدان خليجية أخرى، والتي شرعت وجود القواعد العسكرية الأميركية في المنطقة، لإحكام الحصار على هذه الأمة المستضعفة والمستكينة.
والاستثناء الوحيد كان في الساحة اللبنانية ،حيث أسقط الشعب المقاوم اتفاقية 17 أيار بالتعاون مع الأنظمة الممانعة التي تتمثل بشكل أساسي بسوريا وإيران.
وتأتي الاتفاقية الأميركية – العراقية التي تبرئ الاحتلال من جرائم الحرب التي ارتكبها،وتؤمن له الاستمرارية الشرعية وتجرده من صفته الاحتلالية في الثقافة السياسية والذاكرة الوطنية، وتحوله من عدو إلى صديق حنون،هدفه مصلحة الشعب العراقي،بينما الحقيقة والوقائع تبين عكس ذلك،فهدفه تأمين موطىء قدم في المنطقة، ليصبح طرفا" إقليميا" تخوله قوته وتحالفاته ،من فرض سياسته وشروطه،على المنطقة واستغلال ثرواتها وعمادها(النفط)،وتأمين الحماية العسكرية (للكيان الصهيوني)الذي بات عاجزا" عن حماية نفسه،ويواجه مأزقا" وجوديا"،بعد تآكل قوة الردع والصمود لديه بعد حرب تموز2006 في لبنان،وتنامي قوة المقاومة في فلسطين،وتوازن القوى الإستراتيجي بينه وبين التحالف الإيراني والسوري، مع فارق ايجابي لصالح هذا التحالف هو الوضع الديموغرافي والجغرافي،الذي يفوق قدرة الكيان الصهيوني،ويوفر فرصة للمناورة بشكل أكبر،ويستطيع استيعاب الضربات أكثر من إمكانيات العدو الإسرائيلي.
فإذا" كان وجود الأمة مستحيلا" إلا بالإتفاقيات الاقتصادية والأمنية الخارجية،بحيث تعيش الأنظمة حالة(القاصر السياسي) الذي يحتاج لوصاية أميركية – صهيونية،فأي أمة يمكن أن تبقى......؟!
وعندما تتعرض الهوية الحضارية والدينية للأمة إلى عملية تهجين سياسي،يّولد أمة تحتفظ بأوصافها الشكلية(عربية – إسلامية)وغير ها من الأوصاف،لكنها تختلف في الجوهر من ناحية العقيدة والقيم والمنظومة الأخلاقية والاجتماعية،و عن تاريخها وتراثها.
حيث تتعرض العقيدة الدينية إما للتحريف أو المصادرة أو التناحر بين المذاهب،وتتعرض الثروات الوطنية للنهب والسرقة وتتعرض الأرض للاحتلال، حيث نرى أن المنطقة الوحيدة في العالم الآن ، التي تتعرض للاحتلال وانتهاك السيادة ومصادرة القرار الوطني،هي منطقتنا العربية والإسلامية،حيث تم جلاء كل أشكال الاستعمار والاحتلال من جميع الدول وحتى الجزر الصغيرة،ولم يبقى من عهد الاستعمار والاحتلال إلا في فلسطين وأفغانستان والعراق والصومال.
والمستغرب أن أنظمة وحكومات هذه الأمة الضعيفة والمستضعفة،لا تستطيع إثبات وجودها إلا بالخصام والمعارك فيما بينها،حيث تتلهى البلاد العربية خاصة، بترسيم الحدود فيما بينها (وكأن بعضها تنقصه المساحات) فيما لا تعمل على ترسيم الحدود مع أعدائها وحماية أمنها الوطني،وتسعى بعض البلاد العربية والإسلامية،لمعارضة المشروع النووي الإيراني السلمي وتسكت عن القنابل النووية الإسرائيلية الموقوتة على حدودها، ويستنفر العلماء والإعلام والفضائيات، لتحذر من غزو مذهب إسلامي لساحات مذاهب أخرى،بينما لا تجده مستنكرا لغزو الخارج الأخلاقي والاجتماعي، وفرق الروك الغنائية،أوالعادات الغربيةالسيئة،وليتهم ينقلون عن الغرب ايجابياته العلمية والاقتصادية والتكنولوجية،بل أن ما ينقلوه هو الهمبرغر،وأقراط الحلي في أذان الشباب،والمظاهر السطحية التي تعمل على تشويه الشخصية الإنسانية والحضارية للمواطن العربي.
فكيف لأمة من المفترض أن تكون أفضل الأمم، ببركة الإسلام ورسوله (ص)،أن تكون محصنة ضد الضياع والفراغ الفكري،وهي تهدي سيوفها وأموالها،لأعدائها وتعرض مبادراتها السياسية على صفحات الجرائد(مقابل بدل مالي)كما تعرض الشركات سياراتها،وكما تعرض المصانع أحذيتها، ......أمة تعرض نفسها للبيع،ولا من يشتري حتى بأبخس الأثمان،لأنها صارت عبئا" على الإنسانية.
فهل تنهض الشعوب التي لا عذر لها لتستكين وتضعف،أم أن هذه الأمة قد انقرض منها الرجال،وسجنت فيها النساء،فصارت أمة خامدة لا توقظها لا صرخات غزة وحجاجها المحاصرين في زمن حوار الأديان،ولا دماء العراق،ولا عزة المقاومين.........؟!.