أميركا وإسرائيل وإستنزاف السعودية
د.نسيب حطيط
تعيش المملكة السعودية لحظات حرجة ومفصلية لم تشهدها إلا حين ولادة دولتها الأولى ،حيث أدخلت نفسها منذ دعمها لدموية الربيع العربي في آتون ساحات النار المشتعلة التي لم تدخلها طوال أكثر من قرن إلى أن أسقطها الأميركيون والإسرائيليون بحقل الألغام اليمني الذي لا يمكنها تفكيك خرائط الألغام فيه لتنجو من مسارها القاتل.
السعودية أو بعض أجنحة العائلة المالكة وخاصة الملك سلمان يريدون قلب معادلة البيعة والوراثة السياسية من أيدي السديريين وفروعهم إلى يد سلمان وأبنائه، لإقامة المملكة "السلمانية "بدل السعودية في حركة تجديد وإستعادة للولادة الأولى وهي أن "الإمامة بالغلبة "وهي للأقوى.
لكن السؤال كيف تورطت السعودية واستدرجت إلى المأزق اليمني ؟
لم يكد السعوديون يدفنون الملك عبد الله حتى بدأ الإنقلاب السلماني فأقصي الأمير متعب بن عبدالله عن ولاية العهد وأستحدث ثلاثي الملك (سلمان – مقرن – محمد بن نايف) وإستغل الأمير محمد ظروف والده الصحية ،فصار الملك الواقعيي، يتصرف بإنفعال وتهور الملك-المراهق وإنفعالية الطامح المغامر وقد وجدت فيه أميركا وإسرائيل أفضل استثمار سياسي ومالي لمصلحتهما دون خسائر وفق التالي:
- على المستوى الأميركي فقد استفاد الأميركيون من الصخب والمشاغبة السعودية على الإتفاق النووي مع إيران لفرض شروط إضافية وتحصيل التعاون في ملفات سياسية على المستوى الإقليمي في محاولة إبتزاز خبيثة، فإما التنازل عن الحقوق الإيرانية أو التنازل عن الحلفاء أو تحجيم المساعدة وكلاهما ربح أميركي وخسارة إيرانية في حال وافقت إيران على ذلك.
- الربح الأميركي والإستنزاف المالي للسعودية والتي تراهن أميركا وأوروبا على سرقة حوالي ألف مليار دولار من الإيداعات السعودية تحت عنوان تمويل الحرب والأمن الداخلي السعودي والإستشارات العسكرية، يضاف إليها ما خسرته المملكة من تخفيض لأسعار النفط لحصار إيران وروسيا لمصالح أميركا عقابا لروسيا بسبب موقفها في أوكرانيا والبلقان، مما أضعف الموارد المالية السعودية على حساب الإنماء للشعب السعودي واضطرارها لتمويل اربعة ملفات :
- الحرب على اليمن.
- تمويل الحركات التكفيرية في سوريا والعراق واليمن وغيرها .
- سد العجز المالي للنظام المصري مقابل مواجهة الأخوان ودعمه للسياسة السعودية.
- تخفيض أسعار النفط لحصار روسيا وإيران.
تحركت السعودية وبالتحالف مع العدو الإسرائيلي لإعاقة أو منع الإتفاق النووي الإيراني الذي لا يهددها ودول الخليج وهو برنامج سلمي بينما تسكت عن المفاعل النووي الإسرائيلي بفجور وتضليل، إلا إذا اعتبرنا أن النووي الإسرائيلي في خدمة السعودية نتيجة تقاطع المصالح أو التحالف الإستراتيجي.
يستنزف الثنائي الأميركي – الإسرائيلي المملكة السعودية حتى النفس الأخير كالعنكبوت مع ذكرها ، فماذا جنت السعودية من دعمها للحركات التكفيرية وما أحدثته من مجازر وخسائر بشرية ومادية.... وما هي الخسائر التي منيت بها .
- فقدت السعودية زعامة الإسلام السياسي (السني) بعدما رسبت في إختبار حشد الحلفاء ضد الشعب اليمني وبقيت وحيدة بعدما تركتها باكستان وتركيا ومصر وحتى أعضاء مجلس التعاون الخليجي.
- سقطت في دوامة العنف وأصبحت طرفاً في الميدان بعدما كانت تقاتل من وراء الكواليس بالدبلوماسية والمال والفتاوى.
- بدأت حرباً اعلنت بدايتها ونهايتها (إعلامياً) ولكنها لن تستطيع وقفها منفردة ويمكن أن تقع في دائرة الإستنزاف التي وقع الآخرون بها حتى الدول العظمى.
- خسرت السعودية استقرارها الداخلي خاصة بعد إكتشافها خلايا (داعش) والسيارات المفخخة وقتل عناصر الشرطة مما أجبرها لتدريب ميليشيات من القبائل والمقيمين تحت عنوان (وكالة الأفواج) لتجنيد أربعة آلاف مقاتل.
- خسرت السعودية اليمن سواء كان مشتعلاً أو مستقراً، فاشتعاله سيصيبها بالشرر واستقراره (طلاق) بغير رجعة واستعادة للسيادة.
لقد خسرت السعودية موقعها واستقرارها وخسرت الأمة وحدتها وثرواتها وربح الأميركيون والصهاينة لأن البعض يقاتل ليربح غيره في عملية خداع للنفس، كما حدث مع صدام حسين في غزوه للكويت واستنزاف إيران، لكنه دفع الثمن إعداماً ودفع العراق تفكيكاً وإرهابا وهذا ما لا نرجوه للأخوة السعوديين أو أي بلد عربي أو مسلم.
نداؤنا أن يعود التعقل والحكمة لأصحاب القرار السعودي ولجم المتهورين الذين يخربون السفينة التي يبحرون عليها ،عقابا" لبعض السمك الذي عاد إلى بحره وهم يثقبون السفينة للتفتيش عنه !