إسقاط الطائرة الإسرائيلية المعاني والدلالات
د. نسيب حطيط
على مشارف السنة الثامنة من الحرب الأميركية -"الإسرائيلية" على سورية، أذاعت دمشق باسم محور المقاومة بلاغاً عسكرياً - رقم واحد - كُتب بصاروخ موجَّه أسقط طائرة "إسرائيلية" مقاتلة اعتدت على السيادة السورية، لتعلن عبره إسقاط المشروع الأميركي الذي استهدفها منذ سبع سنوات لإخراجها من محور المقاومة ونقلها إلى محور الدول العربية المستسلمة عبر اتفاقيات السلام أو التعاون غير المعلَن أو المعلَن دون حياء.
الصاروخ السوري المقاوم جاء بالتلازم مع الحرب الأميركية الجديدة التي تتوزع على ثلاث جبهات بقيادة ووجود أميركي وفق الآتي:
1- الغزو التركي في الشمال بحجة ضرب الأكراد، لكنه في الحقيقة لحماية المصالح التركية ودعم الجماعات المسلَّحة التي ترعاها تركيا، والتي تَبيَّن عدم قدرتها على الصمود أمام التقدُّم للجيش السوري وحلفائه من محور المقاومة، وبدعم من الطيران الروسي.
2- التدخُّل "الإسرائيلي" في الجنوب، وبشكل مباشر، سواء عبر الطيران أو دعم وتسليح الجماعات التكفيرية على حدود الجولان أو الجبهة الجنوبية وصولاً حتى الحدود الأردنية.
3- الجبهة الثالثة التي تنتشر في الجغرافيا السورية التي تتوزع على الجماعات التكفيرية؛ من "داعش" و"النصرة" و"الجيش الحر"، وكل الأدوات التي اصطنعتها أميركا وحلفاؤها لتقسيم سوريةأو الاستيلاء عليها وإخضاعها للإدارة الأميركية.
إن تسارع وتحشيد التدخل الأميركي في سورية يعود لشعور الأميركيين والحلفاء والأدوات بأن المعركة قد انتهت ضد سورية، وأن نتائجها لن تكون في مصلحتهم، وشعورهم بالخيبة والندم على إشعالها، فلو بقيت الأمور كما كانت قبل "الربيع العربي" لما فُتحت الأبواب أمام روسيا بشكل خاص على المشهد الإقليمي والمشهد الدولي بعد سبات دام أكثر من عقدين،ولما انكشفت عورات حلفاء وأدوات أميركا في المنطقة، ولما اتسعت جغرافيا محور المقاومة،والتي وصلت طهران ببغداد ودمشق وصولاًإلى بيروت عبر طريق آمن تزيّنه نجمة اليمن المقاوم، الذي استنزف المملكة العربية السعودية وأنزلها عن عرشها الإسلامي والخليجي الذي تربّعتعليه عقوداً من الزمن، فانفضحت وتقلص دورها، وأخذت تفتش عن بضعة مليارات في جيوب أمراء العائلة المالكة المتهمة بالفساد من نفسها، وبلسانها، وتحوّلت فنادقها إلى سجون خمس نجوم من نجوم الظهر.
منظومة الحل السياسي في سورية بدأت، وتحوّلت قيادتها من اليد الأميركية والأمم المتحدة التي تسيطر عليها أميركا لتنتقل للقيادة الروسية بالشراكة مع إيران، وبالتنسيق والتشاور مع الدولة السورية، وبدأت قوافل المعارضين المسيَّرين من السعودية وغيرها، بالإضافة إلى ممثلي الجماعات التكفيرية المسلحة بالنزول من "قطار" الحل السياسي؛ إما بضغط أحمق من رعاتهم،أو بسبب خسارتهم ميدانياً وعدم سيطرتهم على أي جغرافيا سورية للمقايضة عليها، وإن استمرت وتيرة العمليات الميدانية لصالح سورية وحلفائها فلن تربح أميركا أي ممثل لها في العملية السياسية المقبلة في سورية، وستكون خارج الحل والشراكة السياسية.
إن إسقاط الطائرة "الإسرائيلية" لا يمكن النظر إليه من زاوية العدد أو الخسارة المادية،إنما من زاوية رمزيته ومعانيه، حيث يعرف "الإسرائيلي"أن من أعطى الأوامر بإسقاط الطائرة "الإسرائيلية" كان يحسب ضمناً إمكانية الانزلاق في حرب شاملة أو محدودة، وبالتالي فهو مستعد لها وقادر عليها، لذا اختار الزمان المناسب ليضرب ضربته المفصلية والرمزية التي أربكت العدو وراعيته الأولى أميركا، وحاول اجتناب التصعيد والصمت على الصفعة..
إسقاط الطائرة نقطة تحوُّل في المشهد الإقليمي وليس السوري فقط.. إنه بداية انتهاء "الربيع العربي" وبدء "ربيع محور المقاومة"، وبداية كتابة عصر جديد للمنطقة، سيطوي صفحة النكبة التي زرعت الغدة السرطانية "إسرائيل" في قلب الأمة، وبداية مسيرة تحرير القدس بأيدي المؤمنين الشرفاء المقاومين غير المقاولين.