إيران إنتصار الإسلام السياسي الأصيل
د.نسيب حطيط
أكدت الثورة الإسلامية في إيران أصالتها ونجاحها عبر الإنتخابات الرئاسية الجديدة وفق مبادئ وقوانين الثورة ومشاركة الشعب في إختيار قادته ومسؤوليه ضمن ضوابط الإسلام الأصيل المرتكز على المبادئ بعيداً عن المصالح ودون الحاجةلمقايضة السلطة بالمبادئ والثوابت، وأظهرت الثورة الإسلامية إمكانية صناعة "ديمقراطية وطنية" ضمن حدود الإسلام وإعطاء الشعب الحاكمية الدينية لإختيار الحاكم القادر والأمين على تطبيق أحكام الإسلام وفق تطور الزمان والمكان دون تكفير القائلين بالديمقراطية أو تكفير من ينادي بسلطة الشعب في تفسير خاطئ لايميز بين إعطاء الشعب حقه في اختيار حاكميه ومسؤوليه وبين الفهم الخاطىء لإبعاد الحاكمية الإلهية "إن الحكم إلا لله" ،فالحكم لله وشريعته ودينه، لكن تعيينوإختيار الحاكم الكفؤ لتنفيذ هذه الأحكام بالمعطى المادي العادل والنزيه وفق الأطر المعاصرة لأنظمة الحكم بعيداً عن التمسك الأعمى بالمصطلح السالف والسابق تحت عنوان "السلفية الصالحة" خاصة وأن الذين يدعون التمسك بأعمال السلف الصالح مع الفارق الزمني الذي يتجاوز الألف عام يعرفون أن السلف من صحابة الرسول(ص) قد غيروا واجتهدوا في بعض الأحكام التي سنها الرسول (ص) مع فارق زمني بسيط لا يتعدى السنوات.
لقد أثبتت إيران في إنتخاب الرئيس روحاني الأمور التالية:
- ثبات واستقرار المؤسسات الدستورية وأجهزة السلطة الثورية بعد ثلاثة عقود ونيف من إنتصار الثورة.
- حرية الشعب الإيراني وتفاعله مع القيادة الحاكمة وإنخراطه بالمشاركة في استمرارية الحياة الديمقراطية للثورة عبر النسبة العالية للمشاركين بالإقتراع.
- إن التنافس بين التيارات الإسلامية والمحافظة في إيران هو تنافس من أجل الثورة والشعب وفق أحكام الإسلام وليس تنافساً من أجل السلطة والجاه.
- إن انتخاب واختيار أي رئيس جمهورية لا يغير في الثوابت السياسية الإيرانية كمبادئ وإنما يطرح إمكانية تعديل الآليات والمصطلحات وفق المناورة والتكتيك السياسي الذي لا يطيح بأهداف الثورة ومواقفها المبدئية من الظلم وحق السيادة وتحرير المقدسات ومصالح الشعب الإيراني والأمة الإسلامية والمظلومين في العالم.
- إن الرئيس المنتخب سواء كان رجل دين أو شخصية مدنية لا يغير في سلوكيات وأدبيات الرئيس فالقرار هو عصارة دراسة منظومة سياسية وفقهية وإقتصادية متعددة الأضلاع تتكامل فيما بينها لصياغة القرار النهائي (الخطوط والعناوين العامة) ويكلف الرئيس ووزرائه بالتنفيذ وفق الرؤى والإمكانيات المتاحة، ولذا فإن إنتخاب رئيس جديد لا يعني قيام مرحلة جديدة تصل إلى حد الإنقلاب على السلف أو التناقض بل تعني استمرارية العمل لتحقيق الأهداف وإمكانية تغيير المنهجية والوسائل.
- أثبتت التجربة الإيرانية تحديها وفوزها على التجربة الأميركية بما يسمى "الربيع العربي" الذي تحول إلى حريق عربي بامتياز وثبت منجديد أن الثورة يصنعها الشعب وفق أطر وأهداف وطنية وأن أي ثورة يديرها الخارج ويغذيها المال والإعلام المفبرك والمزور وتتظاهر وتحكم ليستثمرهاالآخرون من الخارج فهي ثورة مزيفة لا بد أن تسقط سريعاً حتى لو حملت اسم الإسلام وشعاراته وها هي التجربة المصرية تؤكد سقوط المشروع الأميركي "لديمقراطية" العالم العربي لخدمة المصالح الأميركية بلبوس إسلامي، وأن الإسلام لا يتحمل مسؤولية فشل الإسلاميين الجدد وأخطائهم وتذبذبهم العقائدي وارتباطاتهم المشبوهة وها هي تجربة الإسلام السياسي في إيران تؤكد أن الإسلام هو الحل إذا كان حاملو الشعار صادقين في ذلك وأن عملهم لله ولرسوله وللذين آمنوا وليس الأميركي وإسرائيل وحلفاؤهما.
أثبتت الثورة الإسلامية في إيران إنتصارها من جديد على على الحصار الأميركي وعلى العقوبات وإنتصارها على الفكر المنحرف "للمتسلفين" الذي أظهروا الإسلام بشكل وحشي وغير حضاري خلافاً لجوهره الأصيل وأوهموا الناس بإمكانية تعايش الإسلام مع ظلم الإحتلال والإستعمار خلاف دعوة الإسلام لمقاومة الظلم والإحتلال.
لا زالت إيران تؤكد أن بوصلة الإسلام الصحيح تتجهلتحرير القدس وتحرير الناس من عبودية المستعمرين وأن الإسلام قادر على حضانة التطور العلمي والإقتصادي والحوار والثقافة والفن والإبداع والجمال بعيداً عن الذبح والقتل ومبايعة المحتلين.
مبروك لإيران الإسلام مولودها الديمقراطي الجديد.. ومبروك للشعب الإيراني حيويته ومشاركته المتجددة..ومبروك للمسلمين التجربة الشفافة والصادقة للإسلام السياسي المعاصر.