إيران وتركيا صراع أم هدنة
د.نسيب حطيط
تمثل معركة (جالديران ) في 23آب عام1514م ، آخر المعارك بين الصفويين في إيران والعثمانيين السلاجقة على المستويين العسكري والعقائدي ،وتم بعدها تطبيع العلاقات على مبدأ حفظ مصالح الطرفين الإقتصادية والأمنية وعدم التدخل في شؤون بعضهما البعض حتى القرن التاسع عشر، حيث تطورت العلاقات بين البلدين بعد إنهيار الدولة العثمانية ووصول كمال اتاتورك وشاه إيران رضا بهلوي ،وأنضوى الإثنان تحت العباءة الأميركية-الغربية و تشكيل حلف بغداد( السنتو )في منتصف الخمسينات ومجلس التعاون الإقتصادي (الإبكو)الذي يضم باكستان وأفغانستان ودول آسيا الوسطى وتركيا وإيران،وأعترفت تركيا بإسرائيل عام1949و تبعتها إيران.
بعد إنتصار الثورة الإسلامية في إيران ، عاد الإفتراق السياسي بين تركيا وإيران بسبب خروج إيران من التحالف الأميركي-الغربي وإعلان الجمهورية الإسلامية التي قطعت علاقاتها مع إسرائيل وفتحت أول سفارة لفلسطين في العام1979 بينما بقيت تركيا في حلف الناتو وحليفا إستراتيجيا لإسرائيل وفق النظام العلماني المحاصر للإسلام في تركيا،لكن هذا التمايز والإختلاف لم يتطور إلى مستوى الصراع العسكري أو قطع العلاقات السياسية والإقتصادية.
وتشترك الدولتان في إرهاصات المشكلة الكردية والمطالب الكردية بتشكيل دولة(كردستان الكبرى)في أجزاء من(تركيا-إيران-العراق-سوريا) مع تمايز الواقع الكردي في العراق وتركيا الذي يتصف بالعنف والعمل المسلح منذ عقود أكثر مما تشهده الساحة الإيرانية وإنعدامه على الساحة السورية ،مع الإشارة بأن(حزب الله) التركي قد أسسته المخابرات التركية ضد حزب العمال الكردستاني من جهة ولتوتير العلاقة بين الحزب وإيران وإثارته للعمل المسلح في الداخل الإيراني من جهة أخرى.
بعد وصول(حزب العدالة والتنمية) المهجن أميركيا بقيادة الثنائي(أردوغان-غول)بعد إنقلابهما على أستاذهما(نجم الدين أربكان)الذي مثل(الأب المعاصر) للإسلام السياسي في تركيا، وتم حل حزبه أكثر مرة بإيعاز من الجيش التركي الذي كان يسيطر على الحياة السياسية وفتحت الأبواب أمام (أردوغان-غول) في لعبة ذكية قادتها أميركا وإسرائيل لصناعة قوة إقليمية تمثل الإسلام(السني)السياسي مقابل إيران التي تمثل الإسلام(الشيعي) السياسي وذلك ضمن إستراتيجية ضرب الإسلام الحركي والفاعل وتدمير قواه من الداخل للتخلص من آخر القوى العادية للأمبراطورية الأميركية ،وفسح المجال أمام الإسلام التكفيري والسلفية الساذجة المهجنة فكريا والقائمة على بعض القشور الفكرية والسلوكية الغريبة ،والتي تفتقر الى القيادات المركزية،و الفقهاء المفكرين والعناصر الواعية ،وتنهج مبدأ الذبح والقتل الأعمى بطريقة آليةلكل من يخالفها الرأي أو يوعزإليها من أجهزة المخابرات كما حدث مع الجنود المصريين في سيناء والذين قتلهم (الجهاديون) وقت الإفطار...!
وفي لحظة مفصلية تسمى مجازا (الربيع العربي) تم برعاية اميركية التزاوج بين الإسلام التكفيري(الوهابيين)والإسلام العلماني(تركيا) لحصار الإسلام الأصيل(المذاهب الخمسة)ومحور المقاومة والممانعة ،ولتفجير الفتنة المذهبية والطائفية لتقسيم المنطقة إلى إمارات وكيانات ضعيفة ضمن مشروع الشرق الأوسط الجديد بعدما سقط المشروع في حرب لبنان الثانية عام2006.
وظهرت نقطة الخلاف الثانية بين إيران وتركيا في هذه المرحلة بشكل حاد في الموضوع السوري وسبقه الخلاف حول نشر الدرع الصاروخية لحلف الناتو على الأراضي التركية بما يهدد الأمن القومي الإيراني والروسي ويوفر الإنذار الإستباقي لإسرائيل من الصواريخ الإيرانية ،وبعد غياب الدور السعودي والمصري على مستوى القيادة للإسلام(السني)السياسي شمرت تركيا على سواعدها وأعلنت نفسها(القائد)الميداني(للسنية السياسية)المرتبطة بأميركا والمشروع الغربي والمتحالفة مع إسرائيل، وفي خداع للرأي العام العربي والإسلامي وأختراق للوعي ومسح الذاكرة ،عبرت تركيا وبشكل سريع من النافذة الفلسطينية ومسرحية(سفينة مرمرة)الهوليوودية والتي كانت(المفتاح)التركي للدخول إلى غرف النوم العربية .
وإنقلبت تركيا على تحالفاتها وكشفت عن وجهها التآمري على المستوى السياسي والمذهبي بأمر أميركي، فتدخلت في العراق مطالبة بحقوق(أهل السنة)وحماية نائب الرئيس طارق الهاشمي المتهم بالإرهاب والتحالف مع البرازاني في تركيا ودعمت العمل المسلح في سوريا إنطلاقا من قاعدة مذهبية ضد العلويين، وبدأ أردوغان بإستخدام المصطلحات والألفاظ المذهبية المباشرة دونقفازات أو حرج ،وإستمال حركة(حماس)لإخراجها من سوريا والإستعانة بإمكانياتها للعمل ضد النظام في سوريا، والإنفصال عن إيران بتحريض مذهبي وقد انخرطت( حماس)وللأسف في هذا المشروع الذي سيكون بمثابة إعدام سياسي لها وللقضية الفلسطينية، والذي عبرعنه رئيس المجلس التشريعي ..دويك بأنه يتمنى ان يكون العيد عيدين في سوريا ،عيد الفطر وعيد اسقاط بشار الأسد ،ونسي عيد تحرير القدس!
إن العلاقة الإيرانية-التركية تسير على شفير الهاوية ويعمل الأميركي والإسرائيلي لإيقاع الصدام بينهما لتحقيق هدفي أساسيين.
- تدمير قوة الإسلام السياسي بجناحيه (السني والشيعي)في تكرار للحرب الإيرانية -العراقية والغزوالعراقي للكويت.
- إشعال الفتنة المذهبية بين(السنة والشيعة)والتي تمثل آخر حلقات الحرب الأميركية.
إن إرهاصات التوتر التركي- الإيراني بدأت بالظهور من النافذة السورية مع حرص الطرفين على تفادي الصدام حفظا لمصلحة الطرفين، لكن إن تجاوز الأتراك التدخل ر السياسي والدعم العسكري والمذهبي و اللوجستي والمادي للمسلحين واستضافة المعارضة وتنظيم تشكيلاتها السياسية إلى محاولة التدخل والغزو العسكري بحجة ضرب الأكراد ودعم المسلحين في حلب وتأمين منطقة آمنة للاجئين السوريين بغية إسقاط النظام،فسيبادر الإيرانيون إلى تطبيق معاهدة الدفاع المشترك مع سوريا وضرب الجيش التركي العضو في حلف الناتو الذين ستفتح له الأبواب للتدخل الخارجي خارج إطار مجلس الأمن بحجة مساعدة تركيا ،وهذا ما سيشعل النار في كل المنطقة إذا لم يك على الساحة العالمية، وليس في ذلك مبالغة أو تهويلا ،إنه الواقع لأن سقوط سوريا هو الخطوة الأولى لإسقاط العراق ومن ثم إسقاط إيران وصولا إلى إسقاط روسيا والصين في عملية(دومينو)سياسي متسلسل.
ولكن السؤال المطروح ....هل أن أميركا والغرب جاهزون لهذه الحرب الشاملة،إن الوقائع والإمكانيات تؤكد عجزهم عن ذلك، فهم في مرحلة الضعف العسكري والأزمة المادية ،ولذا فإن تركيا ستدفع ثمن تهورها وإندفاعها المشبوه في سوريا، وستلحق بها قطر والسعودية فأول الإنذارات الإيرانية كانت تحميل تركيا وقطر والسعودية مسؤولية خطف الزوار الإيرانيين في دمشق، وهذا أول إتهام للبلدان الثلاثة بمسؤولية إشعال المنطقة ،ومن يشعل النار لا بد أن يكون مسؤولا عن تداعياتها وستصيبه كما أصابت الأخرين وستكون القواعد الأميركية في قطر وتركيا والخليج ومصافي النفط أعواد الثقاب لإحراق من يريد إسقاط محور الممانعة إبتداءا من سوريا..فهل يكون المخطوفون الإيرانيون والحراك الكردي بداية إشتعال المنطقة في آب 2012 .. أم بداية التفاوض الساخن من اجل التسوية التي تحفظ الجميع ؟