إيران وتركيا تعاون الضرورة نسيب حطيط
تتأرجح العلاقات الإيرانية - التركية، والتي لم تنقطع حتى في ذروة الحرب على سورية، والدور السلبي الذي لعبته تركيا ضد النظام والشعب السوري، بين الإيجابية والسلبية، حيث بقي خط التعاون الاقتصادي بين البلدين قائماً للمصلحة المشتركة، مع أنهما لا ينتميان إلى ذات المحور، بل يتخندقان في محورين متناقضين ومتصادمين هما المحور الأميركي ومحور المقاومة.
لكن إيران التي تمثّل الإسلام السياسي (الشيعي)، والتي ترغب كل من السعودية وتركيا بشكل خاص مقابلتها الندية، عبر التحكُّم بزعامة الإسلام السياسي (السُّني)، مع انكفاء باكستاني ومصري لظروف تتعلق بالبلدين، ونتيجة المصالح المشتركة والجغرافيا المحيطة، والتي تؤثر في تداعياتها سلباً أم إيجاباً على البلدين، دفعت تركيا وإيران الى التسامح بينهما، أو تجاوُز بعض المشاكل والمواقف، بسبب تعرُّضهما للأخطار المشتركة على المستوى الاقتصادي والديمغرافي، خصوصاً "الخطر الكردي" الذي يهدّد الدول الأربعة (سورية والعراق وتركيا وإيران) والخاسر الأكبر من قيام كردستان الكبرى هي تركيا، لاسيما مع عدم نفي تضرر الدول الثلاث الأخرى.
"الخطر الكردي" الذي بدأ بإجراء الاستفتاء على الانفصال في شمال العراق، مقدمة للانفصال واستقلال دولة كردستان في العراق، سرّع التلاقي الإيراني - التركي لمواجهة هذه الخطوة التقسيمية مباشرة، ولمساعدة العراق في حصار هذه الخطوة الانفصالية، ويمكن أن يشكّل "الخطر الكردي" نقطة تواصل مشتركة بين الدول الأربعة التي يسكنها الأكراد، ويساعد على إعادة تقييم المواقف في سورية خصوصاً، وتراجع الدور التركي السلبي ضد النظام والرئيس الأسد ليس دعماً له، بل بسبب حصار التمدد الكردي الذي ترعاه أميركا، كبديل عن مشروع "داعش" في سورية والعراق، ويمكن لتركيا أن تقبل بأي شيء تقوم به "داعش" أو "النصرة"، لكنها لا تقبل أن يتعرّض أمنها القومي ووحدة الكيان التركي لأي خطر، خصوصاً أن هذا الخطر ينحصر في الجغرافيا الكردية، حيث إن "النصرة" و"داعش" وغيرهما، واللتين تعاونت تركيا معهما، لا تشكلان تهديداً للأمن التركي، بل أدوات يستغلها الأتراك في سورية والعراق.
إن الثنائية التركية - الإيرانية تضع في أولوياتها منع قيام كردستان الكبرى لعدة أسباب؛ أحادية ومشتركة، منها:
1- الموافقة على استقلال كردستان وتقسيم العراق يعني أن المشروع الأميركي قد بدأ يحقق أهدافه، وإن تغيّرت جغرافيا الانفصال، فبدل أن تبدأ في سورية، بدأت في العراق، ويصبح في الجعبة الأميركية دولتان جديدتان (جنوب السودان وكردستان العراق)، مما يهيِّئ الأرضية لإكمال المشروع التقسيمي، والذي يمكن أن ينتقل إلى ليبيا، وتقسيمها وفق القبائل والمناطق الجهوية.
2- استقلال كردستان العراق سيهدد السيادة ووحدة الأراضي التركية، ويشجع أكراد تركيا على الانفصال، مما يستدعي تحركاً من العلويين لإعلان الحكم الذاتي أو الاستقلال، مما يعني نهاية تركيا الموحَّدة، حيث يشكّل الأكراد والعلويون حوالى نصف سكان تركيا.
3- قيام كردستان العراق سيهدد الأمن والاستقرار في إيران، ويضعها بمواجهة مع العدو "الإسرائيلي"، الذي بادر لدعم قيام كردستان، حيث ستمتد "إسرائيل" من فلسطين إلى حدود إيران، وتقطع الطريق بين دول محور المقاومة، بعدما عجزت "داعش" والحرب السورية عن ذلك.
التعاون التركي - الإيراني ستكون له نتائجه الإيجابية في الميدان السوري لحل عقدة إدلب (النصرة) وعقدة الأكراد في الرقة، وغيرها، وستكون له نتائجه في العراق، والأكثر من ذلك سيكون له تأثير على دور تركيا في زعامة الإسلام السياسي (السُّني)، حيث تمثل تركيا الراعي الذهبي لـ"الإخوان المسلمين" في العالم العربي خصوصاً، والذين ما يزالوا يمثلون قوة شعبية وتنظيمية كبرى، مما يؤدي إلى عزل السعودية وتقزيم دورها الإقليمي بل والإسلامي، وإعلان تركيا كشريك سياسي واقتصادي لإيران على مستوى المنطقة والإقليم.
تعاون الضرورة بين إيران وتركيا هو لحفظ المصالح وتقليل الخسائر ومنع التقسيم.
د. نسيب حطيط