ابن سلمان والجولة الملكية
د. نسيب حطيط
يواصل ولي عهد السعودي محمد بن سلمان جولته الخارجية على مراكز القرار الإقليمي والخارجي قبل تتويجه ملكاً، ويواصل توزيع "الهدايا السياسية" - الرشاوى بعنوان صفقات الأسلحة والمشاريع الاستثمارية، والتي نجح ابن سلمان في تعميمها، مع ضرورة الاعتراف بأنه أسقط المثالية الأوروبية والأميركية المتعلقة بالديمقراطية والتعددية السياسية وحقوق الإنسان، وأثبت بالممارسة أن المال يشتري الجميع، مهما كانت لغاتهم وأنظمتهم السياسية، خصوصاً الغربيين الذين ظهروا أمامه في طوابير تنتظر توقيع العقود معه مقابل تأييدها السياسي له، وغض الطرف عن كل سلوكياته القهرية في الداخل والخارج، حيث يصطف الرؤساء والملوك مثل فقراء عشوائيات المدن في العالم الثالث ينتظرون الحصول على حصصهم الغذائية الدسمة بالمليارت من الدولارات.
استطاع ابن سلمان وفي أقل من عام (تمّ تعيينه في حزيران 2017) السيطرة على مقاليد الحكم، وممارسة صلاحيات الملك الكاملة تحت نظر أبيه الملك سلمان، الذي عمل على البقاء في السلطة لحماية أفعال ولي عهده وقمع أي محاولة اعتراض من العائلة المالكة أو التمرد على الملك وولي عهده، وقد اتبع ولي العهد تطبيق خطته للاستيلاء على العرش على ثلاث محاور هي وفق الآتي:
1- شراء ذمم مراكز القرار الخارجي، حيث اعتمد ابن سلمان منظومة شراء القرار السياسي من مراكز القرار؛ ابتداء بأميركا، حيث منح الرئيس الأميركي ترامب 600 مليار دولار بعنوان صفقات أسلحة واستثمارات، لكنها في الحقيقة تلبية لطلب ترامب المعلن أن لا حماية للمملكة بدون ثمن، بالإضافة إلى فتح الطريق للعرش وتأييده بمواجهة العائلة الحاكمة والتخلي عن الرجلين القويين الأمير محمد بن نايف، والأمير متعب؛ قائد الحرس الوطني، ثم أكمل هداياه المالية لفرنسا وبريطانيا، ووعد روسيا بحصولها على حصتها من صفقة الوصول للعرش.
2- صفقة العصر بالتنازل عن القدس وحصار الفلسطينيين، والضغط عليهم للقبول بتصفية القضية وفق الرؤية "الإسرائيلية" - الأميركية، والتي بدأت بنقل السفارة الأميركية إلى القدس والتهويد النهائي للقدس عاصمة أبدية للعدو "الإسرائيلي".
3- مقاومة الفساد في العائلة المالكة وأتباعها، والذي تمثَّل بالإنجاز الأساسي لابن سلمان في الداخل، ومغامرته الكبرى باعتقال الأمراء ورجال الأعمال، والتضحية بمعنويات العائلة المالكة، وإثبات أنها مارست الفساد، ونهب الأموال، واستطاع تحصيل مئات المليارات من الأمراء والتجار بعنوان "مكافحة الفساد"، حتى لو كان أبطاله من الأمراء، بالتزامن مع تغطية أميركية وغربية وصمت الإعلام عن الاعتقالات، وعدم إثارة حقوق الإنسان، والتي تمثل البروباغندا الغربية بمواجهة الأنظمة أو الشعوب التي تواجه المشروع الأميركي.
الثمن الذي يدفعه ابن سلمان يُعتبر الثمن الأغلى لاستلام أي عرش في العالم، دون أي ضمانات أميركية باستمرار الدعم له للبقاء، خصوصاً أنه أحرق كل جسور التواصل والمهادنة في داخل المملكة وخارجها حتى أضحى ضعيفاً ومحتاجاً للمساعدة الدائمة المدفوعة الثمن، والتهديد الدائم بالتخلي عنه عند نفاذ خزائنه أو تضارب بقائه مع المصالح الأميركية كما حصل مع شاه إيران والرئيس المصري مبارك وبعده الرئيس مرسي المسجونين، وكذلك الرئيس التونسي زين العابدين بن علي الذي تستضيفه المملكة كلاجئ.
إن التحدي الداخلي لولي العهد هو نقل المملكة من السعودية إلى "السلمانية"، حيث بنيت العائلة السعودية حكمها بالتكامل مع المؤسسة الدينية التي تغطيها شرعياً، وتُخضع المواطنين للطاعة كأمر ديني غير سياسي لا يحتمل النقاش أو الاعتراض على "أولي الأمر"، بينما يتجه ابن سلمان للاستغناء عن المؤسسة الدينية، وسحبها ودورها الاجتماعي من الشارع، مما يهدد بالخطر على الاستقرار الداخلي، بسبب دفاع مشايخ "الوهابية" عن مكتسباتهم ودورهم، وبسبب صعوبة تأقلم المجتمع السعودي القبلي والديني المتشدد والانخراط في الانفتاح على العصر.
هل ينجح بن سلمان بالوصول إلى العرش؟ وإذا وصل هل يستطيع حماية عرشه؟