الأردن والرهانات الخاطئة
د.نسيب حطيط
إنتقل الموقف الأردني من الأحداث السورية من الموقف الملتبس وحالة الوجهين واللسانين اللذين إعتمدهما طوال الأزمة السورية وفق معادلة تأمين متطلبات فريقي النزاع، الدولة السورية والمحور الغربي- العربي بحيث يلبي المطالب الأميركية والخليجية بإحتضان التكفيريين ومسلحي المعارضة السورية ويؤمن طرق الإمداد والتسلل ويحتضن غرف العمليات والسيطرة على الخلايا الأمنية والإستخباراتية مقابل دعم مالي خليجي ومقابل ضغوط أميركية على جماعة الإخوان المسلمين في الأردن لعدم التحرك ضد النظام والملك كما حصل بالتزامن مع استلام الإخوان المسلمين للحكم في مصر, وقد حاول الجيش والمخابرات الأردنية إقامة توازن مع النظام في سوريا بحيث أعطوا في اليد الأخرى بعض المعلومات وأبدوا بعض التعاون لكن الأمور بدأت تخرج عن سياقها المتوازن وبدأ الأردن يلعب دوراً مكشوفاً لتعويض الدور التركي الذي ينوء تحت عبء الوضع الداخلي فتركز التعاون الأردني – الأميركي – الإسرائيلي والخليجي لتأمين جبهة درعا التيتعتبر الخاصرة الضعيفة للجبهة السورية عند الحدود السورية -الأردنية -الفلسطينية والتي بدأ العمل لتكون نقطة الإنطلاق بما سمي "معركة دمشق"حيث أن هذه الجهة تتميز بالتسهيلات التالية:
- تأمين تدفق المسلحين من الجبهة الأردنية من ناحية درعا بإتجاه دمشق والتي لا تبعد أكثر من 100 كلم وتتميز المسافة الفاصلة بعدم الكثافة السكانية سواء في البادية أو الغوطة الشرقية.
- تأمين الإمداد والتدخل الإسرائيلي للمسلحين عبر الجبهة الممتدة من بحيرة طبريا حتى الجولان لتتكامل مع خط الإمداد الأردني وتأمين التغطية للإستخبارات والكوماندوس الإسرائيلي للعمل ميدانياً في سوريا حيث أن المسافة بين القنيطرة على الحدود ودمشق لا تتجاوز الـ 70 كلم.
- تقصير المسافات للوصول إلى دمشق بما يتناسب مع قصر المهل الزمنية المعطاة للسعوديين بقيادة بندر بن سلطان والتي لا تتجاوز الأشهر المعدودة وذلك بعد فشل الهجوم من الجبهة التركية والذي يراوح مكانه منذ ثلاثين شهراً عند أسوار حلب ولا يستطيع تجاوزها وكذلك بعد فشل الهجوم من الحدود اللبنانية بعد سقوطه على أسوار حمص والقصير.
يلعب النظام الأردني لعبة "القمار" السياسي برهانه على المشروع الأميركي – الخليجي حيث يعيش احلام حفظ دوره المحوري في ساحتي العراق وفلسطين وضمان بقائه على العرش في حال نجاح مشروعإسقاط سوريا، لكن ما لا يحسبه النظام الأردني أو لم يتوقعه هو صمود سوريا مع حلفائها وفشل المشروع الأميركي مما سيرتب على الأردن خسائر على المستوى الداخلي وبنية النظام وسقوط العرش (الهاشمي) لأن جائزة الترضية لإسرائيل في حال فشل إسقاط النظام في سوريا سيكون بشطب حركة حماس كحركة مقاومة وبالتالي إلغاء دورها السياسي وكذلك شطب الدور الأردني وإيصال المفاوضات لإقامة كونفدرالية فلسطينية -أردنية في الضفة الغربية (السلطة الفلسطينية) والنظام الأردني الجديد (ملكية دستورية) مع أرجحية للدور الفلسطيني بحجة الغلبة السكانية والإمساك بكل مفاصل الإقتصاد الأردني أي إقامة الوطن البديل، بأسماء مضللة وخادعة ، ولذا فإن النظام الأردني يحفر قبر النظام بيديه ولم يأخذ العبرة ممن تعاملوا مع أميركا وتخلت عنهم حفظاً لمصالحها من شاه إيران إلى صدام وآخرهم مرسي الإخوان.
نداؤنا للشعب العربي الأردني وقواته المسلحة أن تكون مثالاً للوطنية والقومية وأن يكونوا أحفاد أبطال معركة "الكرامة" ضد العدو الإسرائيلي ولا يكونوا أبناء إتفاقية (وادي عربة) وأن يقفوا ضد استخدام الأردن لذبح سوريا وأن يساعدوا النظام للتخلص من الضغوط والإغراءات وأن لا يسمحوا له بالإنتحار الذاتي وذلك لإنقاذ الأردن وسوريا والقضية الفلسطينية.
الزمن الآن لا يسمح بالرقص على الحبال، ولا بالمجاملات الخادعة، هو زمن المواقف الشجاعة والصادقة ومستقبل الأمة تحدده أشهر قليلة فإما أن يعاد تركيب المشهد السياسي العالمي على أنقاض العصر الأميركي والغطرسة الإسرائيلية وإما ندخل في عصر إستعماري جديد يسلبنا كل ما نملك حتى إنسانيتنا وحريتنا وديننا.
قال رسول الله (ص) "إنما النصر صبر ساعة" فلنصبر ونثبت على مبادئنا فالنصر قريب ونحن نستطيع بإذن الله تحقيق الإنتصار والخطوة الأولى أن نثق بالله سبحانه ونثق بأنفسنا لنكون مصداقا للآية الكريمة (كممن فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله).
سياسي لبناني*