الأردن والرقص على حبال التكفيريين
د. نسيب حطيط
يعيش الأردن مأزقاً وجودياً ووطنياً منذ ولادته، فجغرافية الكيان الأردني تضعه على تماس مع كيانات سياسية عربية مختلفة الطموح والإمكانيات ،إما للسيطرة على الكيانات الأخرى أو التصدي لتوظيف الأردن لمصالحها(السعودية ،العراق،سوريا) وعلى الضفة الأخرى يعيش الأردن على فالق الزلزال الصهيوني –الفلسطيني، حيث يقف الأردن شكلاً ضد العدو الصهيوني فيما المضمون تحالف سري منذ تأسيس الكيان الصهيوني وإحتلال فلسطين أعلن عنه في إتفاقية وادي عربة للسلام وفتح سفارة إسرائيلية في عمان، وتأييدا بالشكل للقضية الفلسطينية، فيما المضمون خوف وعداء وخصومة منذ إحتلال فلسطين وزادت حدة القلق بعد إحتلال الضفة الغربية وسعي الحكومة الصهيونية لإعلان يهودية الدولة كخطوة أولى على طريق إعلان الوطن البديل للفلسطينيين في الأردن خاصة وأن الديموغرافيا الأردنية تميل لصالح الفلسطينيين مع تصاعد حركة الإخوان المسلمين في الأردن التي تؤمن الغطاء السياسي للوجود الفلسطيني من جهة وتستقوي به على النظام من جهة أخرى. ولأن الأردن يعيش على المساعدات الخارجية سواء الأميركية والعربية، ويتعامل بالمواقف السياسية على طريقة (البيع بالمفرق) ويمكن أن يبادل موقفه السياسي المتناقض وكذلك الأمني لجهات عدة متصارعة، طالما أن الثمن المدفوع يؤمن إحتياجات الأردن على مستوى الملك أو الدولة في لعبة سياسية وأمنية تتميز بالمخاطرة والقلق الدائم والإبتزاز والتهديد المتعددة الفوهات .ولذا نرى أن الأردن قد غرق في فوهة البركان السوري منذ بداية الحراك السوري المسلح نتيجة الضغوط التالية:
- الضغط الخليجي -السعودي القطري لتسهيل مرور المسلحين وتأمين الدعم اللوجستي لمسلحي المعارضة والإيواء والتدريب وفتح الجبهة الأردنية مقابل المساعدات المالية الخليجية.
- الضغط الأميركي – الصهيوني على الأردن لحشد القوى العسكرية والأمنية لتهديد النظام في سوريا وتأمين الغطاء الأمني والعسكري للتدخل الإسرائيلي والأميركي في جبهة الجنوب.
- ضغط الإخوان المسلمين والوضع الفلسطيني على مواقف الحكومة الأردنية وخوف الملك من إمتداد الحريق العربي إلى الأردن ليكون كبش المحرقة بعد فشل الثورات العربية، مما يؤمن ربحاً استراتيجياً لإسرائيل باسقاط الملك أو إبقائه صورياً وإعلان الأردن (وطناً بديلاً) للفلسطينيين تحت عنوان الخلافة الإسلامية التي لا تعترف بالحدود التي وضعتها إتفاقية سايكس-بيكو وتعترف بالوطن الواحد والأمة الواحدة ،فتذوب فلسطين وقضيتها تحت قناع الأخوة الإسلامية والأمة الواحدة!!
يعيش الأردن إرهاصات إمتداد الحريق العربي إلى ساحاته بعدما استطاع لبنان بالتعاون مع سوريا من إقفال الحدود اللبنانية السورية وإبعاد الحريق السوري إلى حد ما بعد موجة التفجيرات الإنتحارية ضد المقاومة وأهلها مع بقاء أعداد النازحين السوريين كقنبلة موقوتة في الساحة اللبنانية.
- مبادرة العراق إلى إعلان الحرب للقضاء على داعش والقاعدة في الأنبار والعراق وصولاً إلى الحدود السورية والأردنية ،مما يهدد الأردن بهروب التكفيريين إليه من الجهتين السورية والعراقية.
- بدء تركيا بتشديد الرقابة على حدودها والتحكم بجحافل التكفيريين وحركتهم بسبب الغليان الداخلي والضربات الموجعة التي تلقاها أردوغان وحزب العدالة والتنمية والخطأ الفادح الذي ارتكبه الأتراك على جبهة كسب وملاحقة الأرمن إلى الداخل السوري.
- إنكفاء العدو الإسرائيلي وتقليص مناوراته وتدخلاته العلنية في جبهة الجولان بعد الرد القاسي من المقاومة وإفهام الإسرائليين أن التدخل الإسرائيلي سيقابله تدخل إيران وكل قوى المقاومة في المنطقة مما يجعل إسرائيل في عين العاصفة وهذا ما تهرب منه إسرائيل.
في المحصلة تبقى الخاصرة الضعيفة هي الجبهة الأردنية التي تعيش تحت ضغوط متعددة ومتناقضة وإن كانت سوريا لا تزال حتى اللحظة (تدلل) الحكومة الأردنية ولم تقم بأي فعل سلبي واضح ضدها لإعتبارات متعددة أهمها تفهم سوريا للواقع الأردني الهش وكذلك تعاون الإستخبارات الأردنية المعقول مع الجهات السورية المختصة ضمن الإمكانات المتاحة والتي ستزيد فعاليتها في المرحلة القادمة نتيجة القلق الأردني من مخاطر التكفيريين وتصدع جبهة الدعم العربي والغربي للجماعات المسلحة من جهة وكذلك إنقلاب الوضع الميداني لصالح النظام منذ معركة القصير، مما دفع الأردن لمراجعة حساباته والتي توجت بقصفالطيران الأردني لبعض الآليات للجماعات المسلحة، إنه قصف رمزي لتوجيه بعض الرسائل ،أن الدخول إلى سوريا مسموح من كل الجهات والخروج منها ممنوع لأن الغرب والخليجيين يخافون من الوحوش التي صنعوها ودربوها وحان وقت قطفهم لثمار أعمالهم الوحشية بعدما سيرجع التكفيريون إلى بلدانهم ويطالبون تحقيق ما رفعوا من شعارات في سوريا والعراق من إقامة الدولة الإسلامية أو الخلافة الإسلامية وتكفير من يخالفهم الرأي وتطبيق الفتاوى السلوكية للقبض على المجتمع في دول الخليج.
هل يستطيع الأردن تعويض مساهماته في طعن سوريا بالتوبة عن أعماله والبدء بالتعاون مع الأجهزة السورية للقضاء على المسلحين.. إنقاذاً للأردن وشعبه.؟
أم هل سيترك الأردن وحيداً بإنتظار إعلان مشروع الوطن البديل لتربح إسرائيل وينقذ الخليجيون أنفسهم من السقوط؟.