الأزمة الروسية البريطانية جاسوس أم كابوس
نسيب حطيط
انفجرت العلاقات الروسية - البريطانية فجأة بسبب محاولة قتل جاسوس بريطاني من أصل روسي، حيث سارعت بريطانيا إلى الإعلان عن المحاولة والتحقيق، واتهام روسيا وإدانتها في فترة زمنية قصيرة، معتمدة على التعجرف والصلف الغربي القائم على أن ما يقولونه هو الحقيقة، دون حاجة إلى سؤال المتهم أو تقديم الأدلة.
إن إثارة أزمة الجاسوس سيرغي سكريبال هي تبرير لافتعال مشكلة مع روسيا، تحديداً مع الرئيس فلاديمير بوتين، وتهدف إلى أمرين، أحدهما مرحلي وثانيهما استراتيجيي:
1- الهدف المرحلي كان على أعتاب الانتخابات الرئاسية الروسية، فكان هذا الاتهام لروسيا ثم لبوتين شخصيا للتأثير على النتائج وإحداث بلبلة، والضغط على بوتين لتقديم تنازلات أو تخفيف الاندفاعة السياسية والعسكرية لروسيا الحديثة، لكن النتائج كانت عكسية، حيث استفاد بوتين من هذا الصلف البريطاني الذي تضامنت معه أميركا وفرنسا وألمانيا، ما شدّ العصب القومي الروسي، واعتبر أن المعركة بين الغرب وأميركا وبين روسيا، وأن المقصود قطع رأس الرئيس بوتين لإعادة السيطرة وتفكيك روسيا؛ في نسخة متكررة لما أصاب الاتحاد السوفياتي.
2- الهدف الاستراتيجي يتمثّل بمحاولة بريطانيا بناء منصة سياسية مستقلة على المشهد الدولي، بالتحالف مع أميركا، خصوصاً بعد انفصالها عن الاتحاد الأوروبي، وبعدما لمست نمو وانتشار التأثير الروسي في منطقة الشرق الأوسط، والذي سبقه البث التجريبي في جزيرة القرم، ووفق التقديرات البريطانية لهذا الدور الروسي المتنامي والقادر على التوسُّع حاولت بريطانيا عبر سياسة الضغط و"التحرُّش" استجداء حوار روسي - بريطاني لحفظ الحصة البريطانية في الكعكة الروسية الداخلية والخارجية.
إن إخفاق الحراك البريطاني، وعدم اهتزاز الموقف الروسي، سيشكلان ضغطاً إضافياً على بريطانيا لتهدئة الأمور والنزول عن شجرة الصلف والتعجرف المبنيّان على أمجاد الماضي الاستعماري الذي لا تغيب عنه الشمس، بالإضافة الى المصالح الاقتصادية المتبادَلة بين روسيا وبريطانيا على مستوى رجال الأعمال الروس، الذين اتخذوا من بريطانيا ساحة لاستثماراتهم وأنشطتهم التجارية، بالإضافة إلى أن واردات الغاز البريطانية ترتكز على الغاز الروسي الذي يؤمّن احتياجات 80 بالمائة من المنازل البريطانية، ولا يوجد بديل متوفر وجاهز حتى الآن.
الهجوم البريطاني يمثّل محوراً من محاور الهجوم الأميركي على روسيا، التي تمكّنت من الاستيقاظ من سباتها واقتربت من العودة إلى موقع "الند" القوي لأميركا، التي صفعتها مع حلفائها في محور المقاومة صفعة مفصلية أنهت مشروع الشرق الأوسط الأميركي، واستردت من الفك الأميركي سورية والمنطقة.
لجأت أميركا إلى تحشيد الغرب والسعودية ودول الخليج لحصار روسيا لإجبارها على التفاوض بشروط أميركية أو العودة إلى داخل حدودها وعدم منع "الفيل" أو "الحمار الأميركي" من تكسير كل الدول تحقيقا لأطماعه.
إذا كان الرئيس بوتين مسؤولاً عن تسمم عميل، وفق الادعاء البريطاني، أليست الملكة البريطانية ورئيسة وزراءها مسؤولين عن قتل الأبرياء في اليمن وسورية بسلاح وقنابل بريطانية؟
أليست بريطانيا مسؤولة عن نكبة الشعب الفلسطيني الذي سرقت وطنه وأعطته للصهاينة؟
إن التوحُّش والظلم لا يصدّانه إلا القوة، ومن كان قوياً يستطيع حماية حقوقه أمام الظلمة والاستعماريين، وعلى بريطانيا وأميركا والغرب الاستعماري القبول بالوقائع الجديدة المتمثلة بوجود قوى تحررية وثورية مقاومة للظلم الغربي، وذلك بالتحالف مع روسيا، لتقطع المصالح، وعقارب ساعة المقاومة لن تعود إلى الوراء.
ستعود بريطانيا للتفاوض مع روسيا، فالمصالح الاقتصادية والضيق اللذين تعاني منهما بريطانيا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي كفيلان بطيّ الملف والعودة إلى الحوار المفيد لكلا الطرفين.
د. نسيب حطيط