الأشهر العجاف بديلا عن الحرب نسيب حطيط
يعيش لبنان والمنطقة مرحلة الحرب المتوحشة والقاتلة بلا معارك كبرى ولا إجتياحات عسكرية كما في الماضي ،بل حرب جديدة بوسائل جديدة غير إنسانية تصيب كل مواطن ولا تفرق بين مدني او عسكري او بين طفل او عجوز وتصيب الذين يتخذون موقف الدفاع والشرف وكذلك الصامتين او المحايدين عقابا لهم على عدم مبادرتهم لقتال الذين يعرقلون او يقاومون المشروع الأميركي – الصهيوني لإسقاط المنطقة وإخضاعها لسيطرتهم او عقابا للفاشلين او القاصرين عن الحاق الأذى او الهزيمة بمحور الدفاع عن الأرض والعرض والدين، وبالتالي فإن هذه الحرب الأميركية تصيب الجميع شرفاء وعملاء ..الشرفاء لأنهم قاوموا ولم يستسلموا او يركبوا قطار التطبيع وكذلك العملاء لأنهم فشلوا في تنفيذ المشروع الذين تطوعوا وتم تكليفهم بتنفيذه طوال السنين العجاف الماضية بما اطلق عليه اسم " الربيع العربي" وذلك وفق المنسق الأميركي المتقاعد "جيفري فيلتمان" وتصريحات السفير الأميركي السابق في سورية " ريتشارد فورد " .
ان الحرب الأميركية الجديدة تعتمد سلاح "التجويع" الشامل الذي يدخل الى كل البيوت والمناطق ويمارس القتل البطيء عبر التجويع والحصار المعيشي السياسي مع بعض الجرعات الأمنية والإغتيالات التي تسهل اتهام الجهات التي تعرقل تنفيذ الشروط الأميركية السياسية والأمنية وترسيم الحدود ،كأعواد ثقاب يحتاجها المشروع من دون الوصول في بداياتها الى التفجير الشامل الذي قد يكون على مراحل عبر عمليات امنية ذكية يمكن استثمارها سياسيا .
ان الأشهر المقبلة ستكون أشهرا عجافا بمعنى الراحة والأمان والوضع المعيشي، حيث ستزداد الأمور سوء، من غلاء الأسعار الى تقنين الكهرباء الى فقدان الدواء وبعض المواد الغذائية، وكذلك الاتصالات والمحروقات وكل شيء يساهم في حصار بيئة الدفاع عن الحقوق الوطنية ..ويمكن ان تتدحرج الأمور الى وضع يشابه شباط 2005 وما جرى بعده من أوضاع أمنية وسياسية.
ان المشكلة الأساسية تكمن في ان ما قام به "ترامب" وما حققه من إنجازات لأميركا وللصهاينة ،سيكون عبثيا ومن دون معنى طالما ان لبنان لم يسقط وكذلك سورية وبعض فلسطين، فالدول التي تصالحت او استسلمت للعدو "الإسرائيلي" لا تؤثر في مسار الغاء القضية لفلسطينية او تدعيم الوجود الصهيوني في المنطقة وخصوصاً انها لم تسهم يوما في معركة الصراع الا في بعض المساعدات المالية وهي تمثل دولا من زجاج لا تستطيع الصمود عند أول ضربات حقيقية في جغرافيتها فهي دول افتراضية تمسك المال وتفتقر الى الجغرافيا و العديد البشري القادر على التدخل او حتى حماية الكيان الوطني الا بمرتزقة رسميين (القواعد الأميركية) او مرتزقة عبر الشركات الخاصة او التجنيس السياسي والمذهبي .
"الأشهر العجاف" ستحاصرنا مع عدم وجود سلطة مسؤولة او مرئية او قادرة بل سيكون البلد والناس بين حكومة تصريف اعمال اسقطها الجميع وبين حكومة بانتظار ان يسمح الجميع لها بالولادة وبين قوى سياسية ترى أن الحل والترياق بالإنتخابات المبكرة وكأن هذه الانتخابات ستغير الطبقة السياسية والحزبية الحاكمة واذا حصلت بعض التغييرات فلن تكون الا طفيفة وخجولة لا تستطيع التأثير او التغيير لأن الطوائف ستسارع الى حماية احزابها وزعاماتها بعنوان ان الأولوية حماية الطائفة والزعيم ثم يتم النقاش في وضع الدولة والكيان والمصالح الشعبية والمطالب المعيشية للناس .
لن يستقر لبنان وفق النظرة الأميركية الا في حالة واحدة عبر مقايضة السلاح بالمال والمشاريع الإنمائية وسداد الدين العام الذي تم تأسيسه لهذه اللحظة السوداء وكان الذين اسسوه يراهنون على ان زمنه قريب ولن يتأخر ثلاثين عاما بل عشر سنوات او اكثر قليلا مع ان تجربة مصر والأردن لم تنجحا وبقي الاقتصاد الأردني يعيش على المساعدات من ذوي القربى او الذين يستخدموه لمشاريعهم وكذلك الاقتصاد المصري هذا من الناحية الاقتصادية فقط، اما من الناحية الدينية والقومية والإنسانية فقد تركوا اشقائهم الفلسطينيين على مآدب الصهاينة وسلبوهم وطنهم .
لن ينجح المشروع الأميركي بالتجويع ولن يستطيع اخذ ما عجز عنه بالحرب الأهلية والإجتياحات الإسرائيلية ..يمكن انهم يستطيعون الإيذاء والحاق الضرر بالتوحش لكنهم لن يستطيعوا اخذ تواقيع الشرفاء لا على تسليم السلاح ولا على الاستسلام ...