الأكراد بين المواطنة ومشاريع الإنفصال 2
د.نسيب حطيط
بدأت المشكلة الكردية بالظهور في العصر الحديث عند اصطدام الدولتين الصفوية والعثمانية عام (1514م) في معركة جالديران التي كانت كبيرة وغير حاسمة، والتي ادت لتقسيم كردستان عمليًّا بين الدولتين الصفوية والعثمانية.
فقد كانت كردستان قبل سنة (1514م) عبارة عن إمارات مستقلة مشغولة بتنظيم شئونها الداخلية، لكن سوء معاملة الشاه إسماعيل ، إضافةً إلى الاختلاف المذهبي ،وفي عام (1555م) عقدت الدولتان العثمانية والصفوية اتفاقية ثنائية ،عُرِفت باتفاقية "أماسيا"،وتمَّ بموجبها تكريس تقسيم كردستان رسميًّا ، و تمَّ توقيع عدة معاهدات مكملة لتلك الاتفاقية؛ منها معاهدة "زهاو" أو تنظيم الحدود عام (1639م)، وتم التأكيد على معاهدة أماسيا بالنسبة لتعيين الحدود؛ مما زاد من تعميق المشكلة الكردية، ثم عقدت بعد ذلك معاهدات أخرى مثل "أرضروم الأولى" (1823م)، و"أرضروم الثانية" (1847م)، واتفاقية طهران (1911م)، واتفاقية تخطيط الحدود بين الدولتين: الإيرانية والعثمانية عام (1913م) في الأستانة، وكذلك بروتوكول الأستانة في العام نفسه.
لقدأسهمت هذه المعاهدات بتكريس تقسيم إقليم كردستان، وقد زاد من حدة مشاعر الغضب الكردية بدء الأفكار القومية في الانتشار في الشرق مع بدايات القرن التاسع عشر؛ حيث بدأت الدول الأوروبية تتعرف على الواقع الكردي عن طريق الرحّالة الأجانب والإرساليات التبشيرية، و بعض القنصليات، وأهمها البريطانية والروسية والفرنسية ثم الأميركية.
عندما نشبت الحرب العالمية الأولى سنة 1914م لم يكن للأكراد مصلحة فيها، وبرغم ذلك ؛ فقد انضم الأكراد إلى جانب تركيا في الحرب، حيث تمكن الأتراك من توجيههم لقتال الأرمن والأشوريين الذين خانوا تركيا، وتمردوا عليها، وانضموا إلى جبهة الحلفاء المعادية
وقد أصدر الحلفاء بعد استكمال تحضيراتهم للمؤتمر قرارًا في شهر يناير1919م نص على ما يأتي: "… إن الحلفاء والدول التابعة لهم قد اتفقوا على أن أرمينيا وبلاد الرافدين وكردستان وفلسطين والبلاد العربية يجب انتزاعها بكاملها من الإمبراطورية العثمانية".
وانطلاقًا من هذا القرار قدم الممثل الكردي شريف باشا مذكرتين مع خريطتين لكردستان إلى المؤتمر، إحداهما بتاريخ (21/3/1919م)، والأخرى يوم (1/3/1920م). كما طلب من القائمين على شئون المؤتمر تشكيل لجنة دولية تتولى تخطيط الحدود بموجب مبدأ القوميات، لتصبح كردستان المناطق التي تسكن فيها الغالبية الكردية، وإضافة إلى ذلك فقد جاء في المذكرة الأولى "إن تجزئة كردستان لا يخدم السلم في الشرق.
معاهدة سيفر (1920م)
نجح ممثل الأكراد شريف باشا في إدخال ثلاثة بنود تتعلق بالقضية الكردية في معاهدة سيفر التي أبرمها الحلفاء بباريس في اب 1920م، وقد كرس ذلك عملية تدويل القضية الكردية بصورة رسمية، رغم أن الدولة العثمانية حاولت مرارًا أن تصف القضية الكردية بأنها قضية داخلية تستطيع الدولة حلها.
وهكذا لم تر معاهدة سيفر النور؛ بسبب صعود نجم "مصطفى أتاتورك" والحركة الكمالية، وتوسيع مناطق نفوذها، وكذلك لرغبة أوروبا في إبراز مصطفى كمال كبطل؛ لدعمه في حربه على الإسلام والخلافة الإسلامية في تركيا مقر الخلافة.
دعَّم الزعيم الكردي مصطفى البارزاني قواته ، ودخل في معارك كثيرة مع الجيش العراقي مستعينًا بعلاقات قوية مع الولايات المتحدة التي كانت ضد العراق، ومستعينًا كذلك بإمدادات عسكرية كبيرة من إيران الشاه التي كانت تعادي العراق، ولكن من يعتمد على الولايات المتحدة لا بد أن يخسر في النهاية؛ إذ قامت أمريكا برعاية اتفاقية الجزائر بين العراق وإيران في 6 من مارس 1975م عن طريق وزير خارجيتها هنري كيسنجر؛ ومن ثَمَّ سحبت إيران الشاه أسلحتها، وتركت الأكراد فريسةً لهجوم عراقي كاسح أسفر عن هزيمة تامة لقوات البارزاني، وانتهاء الثورة الكردية بقيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني في هذا الوقت تمامًا، ولجوء البارزاني إلى إيران.
ويكرر التاريخ نفسه مع حزب العدالة والتنمية الاسلامي عبر الطائرات الاميركية بدون طيار لقصف الاكراد ، مع ابقائهم اداة تهديد وابتزاز للدول التي يقيمون فيها (تركيا العراق وسوريا وايران لتحقيق المصالح الاميركية وطالما ان من يدفع الثمن والدماء ليس اميركا بل الاكراد والدول المحيطة .
وفي الحقيقة فإن الدور الأجنبي السيئ ظل يؤثر في الحركة القومية الكردية وبالأسلوب نفسه ولو بطرق مختلفة على طول مسيرة الحركة. وفق ما قاله زعماء الأكراد لوزير داخلية الملك فيصل آنذاك عبد المحسن السعدون، عام 1921 ،( بما إننا لا نزال لا نعرف كيف نميز بين الخير والشر فإننا نوكل أمورنا إلى المندوب السامي البريطاني لكي يقرر لنا ما هو مفيد وصالح )
فهل تبادر الدول الإسلامية والعربية عبر مؤسسات الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي،لإنقاذ الأكراد من أحلامهم بالإنفصال وبقائهم في حضن أمنهم وأوطانهم،حتى لا تتفتت الأمة،وذلك عبر احتضانهم والإعتراف بحقوقهم وتطوير حركة الإندماج ضمن المنظومات السياسية والثقافية والإجتماعية، أم يترك الأكراد فريسة المخططات الإستعمارية ووقودا لمشاريع الفتن ليدفعوا مع شركائهم من المواطنين أثمانها باهظة،يحصدها الجميع،فللأكراد الحق العيش بكرامة وأمان،وإعطائهم حقوقهم المدنية والإعتراف بهويتهم الثقافية شرط الحفاظ على وحدة اوطانهم وبقائهم ضمن إطار وحدة الأمة بعيدا عن مشاريع الإنفصال.