يعيش العرب أنظمة و شعوبا ، حالة اليتم السياسي والذاتي ،فكلاهما مسلوب القرار والإرادة، أميركا تسلب الأنظمة قرارها ،و الأنظمة تصادر قرار الشعوب،وتحولت الأمة بأجمعها،إلى ( خردة حضارية) تباع بأبخس الأثمان لإعادة تصنيعها إلى كيانات سياسية باسم(الشرق الأوسط الجديد).
ولأن القضية الفلسطينية تمثل المحور الأساس الذي يجمع العرب تاريخيا،وكل ما عداها يحمل بذور الخلاف الساذج على قضايا الحدود والتدخل في الشؤون الداخلية،أو حتى مباريات كرة القدم،وعندما تنازل العرب وفي مقدمتهم مصر عن الدور الرائد في مواجهة الكيان الإسرائيلي عبر إتفاقيات كامب ديفيد،وعندما بادرت منظمة التحريرالفلسطينية وعلى رأسها حركة فتح،بإلقاء السلاح واتجهت نحو الدبلوماسية،وتقزيم القضية باعتبارها شأنا فلسطينيا صرفا،بحيث أن ما يقبله الفلسطينيون يقبله العرب وكذلك العالم دون أي إعتراض او تدخل،وهذا ما جعل القضية بيد(الضعفاء) الفلسطينين المقيمين تحت الاحتلال المسيطر على أمنهم ولقمة عيشهم وتنقلاتهم،مما حاصر القضية الفلسطينية و التي تقتل دبلوماسيا بالمفاوضات المباشرة وغير المباشرة وتقتل بالنار في حصار غزة وبالاغتيالات في الداخل والخارج .
لكن العرب والفلسطينيين تجاوزوا شيئا مهما،واعتقدوا أنهم يملكون مفاتيحه وقراره السياسي أو الشرعي،وهو مصير (القدس)، بما تعنيه للمسلمين وهي أولى القبلتين وثالث الحرمين،فإذا كان الفلسطينيون ومعهم العرب أحرارا وفق منطقهم بقرا الأراضي العربية،فهم لا يملكون قرار التنازل عن القدس نيابة عن المسلمين بعيدا عن جنسياتهم وقومياتهم،فقرار القدس هو قرار إسلامي – مسيحي بهويتها المقدسة ورمزيتها الدينية،وقد سهل الصهاينة هذا الأمر على الرأي العام الإسلامي بشعار إعادة بناء هيكل سليمان بمرتكزاته الدينية والتاريخية وصولا إلى إعلان يهودية الدولة وبناء كنيس الخراب،معلنين أن الحرب في فلسطين هي حرب دينية المرتكزات والأهداف،وبالتالي تجاوزت الحدود والقضايا التفصيلية،وساحتها مفتوحة على مستوى العالم وليست محصور في الضفة والقطاع.
وهذا ما كان الإمام الخميني قد أعلنه بعد انتصار الثورة،بعد إغلاق سفارة إسرائيل وفتح أول سفارة فلسطينية في العالم،بأن فلسطين قضية إسلامية وليست قضية عربية، واعلنت اسس استراتيجيتها السياسية لدعم قوى الممانعة والمقاومة.
وبدورها فإن تركيا ذات التوجه الإسلامي على مستوى العقيدة وذات التوجه الغربي على مستوى المؤسسة والإنتماء السياسي والعسكري،وجدت نفسها نتيجة الإذلال الأوروبي لها وصعود الإسلام السياسي مع حزب العدالة والتنمية،و تطور حالة الوعي لدى الجمهور التركي بعدما تحرر من ديكتاتورية المؤسسة العلمانية التي قيدت حركته الفكرية وصادرت حرياته السلوكية حتى صار الحجاب مانعا وحاجزا أمام الفتيات من دخول الجامعات والوظيفة العامة، ومورست بحقهم ديكتاتورية العزل الإجتماعي وبعدما استنشق الأتراك حرية التعبير الديني برعاية حزب العدالة التوجه ودعمه ،عادت تركيا الشعبية إلى أصالتها وطموحها بلعب دور إقليمي على الأقل،ثأرا للإهمال الأوروبي وسعيا لدور ريادي وتشكل فلسطين المدخل الأمثل لتأخذ تركيا دورها ومكانها،بعدما سهل العرب مهمة الأتراك نتيجة تخاذلهم واستسلامهم.
أسطول الحرية صفارة الإنطلاق للثنائية التركية – الإيرانية لكفالة الأيتام العرب ومحاصري غزة، وهذا ما راهنت عليه سوريا بعلاقاتها المميزة مع هذا الثنائي وكسبت الرهان عندما امتنعت عن السير في مركب الاستسلام المسماة التسوية ومفاوضات السلام.
المشكلة أن بعض العرب السذج يتعاملون مع الموقفين التركي والإيراني دور مشجعي كرة القدم في المونديال ،حيث يتحمس المتفرجون والهامشيون لحمل أعلام الدول المنافسة ويزهو بعضهم بالنصر الذي حققه هذا الفريق التركي أو الإيراني، مساعدة من العرب المشجعين الذين سيبقون في مدرجات والمشجعين وتبقى ساحة النزال بين الفريق التركي -والإيراني بمواجهة الغطرسة الإسرائيلية،حتى فك الحصارعن غزة وبدء حصار أنظمة الإعتدال حتى سقوطها ،وإعلان بداية نهاية الغطرسة الإسرائيلية إن لم نقل وجود الكيان.