الإبراهيمي بين نار الميدان والإنتخابات الأميركية
د.نسيب حطيط
إن الإنتماء القومي للأخضر الإبراهيمي وخبرته الدبلوماسية تعطي نوعا من الطمأنينة لعدم إنخراطه في مشروع تدمير سوريا،والإنصياع للضغوط كما هو حال أمين عام الجامعة العربية نبيل العربي،فالأخضر الإبراهيمي هو ابن الجزائر(المذبوحة) بالسكين الفرنسية التي قتلت مليون شهيد جزائري والذين لم تجف دمائهم بعد،ولا بد أن تكون ذاكرته حية حتى لا ينخدع بالشعارات الفرنسية والأميركية والبريطانية،بأنهم مع حرية الشعوب وهم الذين تشهد أفعالهم على موقفهم الحقيقي وأهدافهم الإستعمارية.
الأخضر الإبراهيمي ليس(كالمستأجرة) دبلوماسيا لتندب وتتباكى على الدم السوري،فواجب الإبراهيمي العربي والنضالي أن يكون(الثكلى)التي ترى دماء أشقائها وبنو أمتها تجري في سوريا بتحريض وفعل خارجي ،الذي أشعل المحرقة السورية كما أشعل محرقة لبنان عام1975وكما أشعل محرقة العراق في2003وكما أشعل المحرقة الفلسطينية التي لا زالت مشتعلة منذ عام1948.
مهمة الإبراهيمي ليست سهلة وليست مستحيلة،صعوبتها تكمن أن رعاة الإرهاب والفتن الطائفية والمذهبية بقيادة أميركية لم يقرروا بعد ضرورة وقف الدعم والتسليح للمعارضات السورية المسلحة ولم يقتنعوا بعد بفشل مشروعهم التقسيمي المسمى(مشروع الشرق الأوسط الجديد) ولذا فقد أفشلوا مهمة الجامعة العربية برئاسة مصطفى الدابي لأنه رفض تزوير الحقائق،ولم يقايض أو يبيع مبادئه،وأفشلوا مهمة كوفي أنان لأنهم كانوا يراهنون على قدرة المعارضات على إسقاط النظام بناء على ما قدموه لها من دعم سياسي وعسكري ومالي عبر الدول المجاورة والفتاوى الجاهزة من وعاظ الملوك والأمراء.
لكنهم رضوا بإعادة تعيين مبعوث جديد كورقة إحتياطية،يلجأون إليها في حال فشلهم الكامل في الساحة العربية عبر الأمم المتحدة للحفاظ على بعض مكاسبهم وتحقيق بعض أهدافهم(بتلقيح)النظام ببعض المعارضة ،ورعايتهاعلها تستطيع بعد سنوات قليلة الإنقلاب على النظام من الداخل و تفكيك ثلاثية الصمود السوري المؤسساتية(الجيش-االإقتصاد-الدبلوماسية)والتي يحتضنها إطار شعبي لا يزال مع النظام، لأن ما عاناه الناس خلال الأشهر الماضية مع ما يسمى المعارضات المسلحة من سلفيين وجهاديين وعلمانيين وأخوان مسلمين وتكفيريين أجانب وعرب،لم تكن مشجعة بل كانت قاسية ومريرة حيث غطت على عيوب النظام وممارساته وأظهرته بشكل أفضل من المستقبل القادم،فتمسك الشعب به ورأى فيه قارب النجاة لسوريا ولشعبها من البرابرة الجدد المتدثرين بعباءات إسلامية ذات صناعة أميركية،وبمعارضة أعلنت حاجتها لإسرائيل وبقيادة تركية مخادعة ،والأسوأ من ذلك والمثير للضحك أن الملوك والأمراء يدعمون التعددية السياسية وتداول السلطة!
إن مهمة الإبراهيمي رهينة نتائج المعارك الميدانية من جهة، وبإنتظار الإنتخابات الأميركية القادمة،فالميدان سيحدد سقوف المعارضة والنظام على طاولة الحوار،ويحدد أوراق القوة بيد كل منهما مع مفارقة أساسية أن أوراق النظام ستكون لصالح الوطن والشعب،وأوراق المعارضين لصالح رعاتهم وأولياء أمورهم من أميركا وتركيا وعرب الخليج لأنهم أدوات ميدانية وبربارات سياسية للذئاب الأميركية والعربية،ومن سيسيطر على الميدان سيكون الأكثر قوة في الحوار والأكثر قدرة على المناورة والتحكم بالتنازلات أو فرض الشروط.
أما الإنتخابات الأميركية فإنها أساس في مهمة الإبراهيمي،لأن الإدارة الروسية تنتظر من سيحكم أميركا في الأشهر المقبلة حتى يمكنها التفاوض معه،فإن عاد أوباما فستكون إمكانية التفاوض معه حول سوريا وبعض الملفات الإقليمية والدولية ممكنة، لأن أوباما يتمتع بحرية أكبر في ولايته الثانية والأخيرة،وكذلك فإنه سيستكمل إستراتيجيته السابقة بإطفاء بؤر الإستنزاف الأميركية خارج الحدود،لإعادة إلتقاط الأنفاس إقتصاديا وعسكريا ،خاصة بعد التقدم الذي أحرزته روسيا والصين على المستوى الدولي والإقليمي،لأن تعنت الأميركيين في مواقفهم وفق آحادية القرار ستزيد من خساراتهم التي بدأت منذ إنسحابهم من العراق،والفشل في ترويض إيران أو ضربها عسكريا،وفشلهم حتى الآن بإسقاط النظام في سوريا ،وبداية إهتزاز الأنظمة الحليفة لها في تركيا أو السعودية أو قطر، مما سيدفع الأميركي إلى الجلوس على طاولة المفاوضات لحماية ما تبقى من مصالحه ،ولتأكيد الشراكة في إعادة رسم المنطقة قبل أن يستيقظوا هاربين كما حدث في فيتنام أومستنزفين في أفغانستان منذ عقد من الزمن.
ستبقى الأحداث الدموية في سوريا مستمرة بفعل خارجي بعيدا عن إرادة الشعب السوري المصادرة خياراته ورغباته عبر كتائب(المارينز الإسلامي التكفيري )التي صنعتها أميركا منذ السبعينات مع بداية الغزو السوفياتي لأفغانستان،وعلى النظام والشعب السوري التصدي لها مهما كانت الأثمان،وعلى كل الوطنيين والقوميين والإسلاميين غير المصنعين أميركيا مساندة سوريا،لأن المعركة في سوريا هي معركة الأمة وفلسطين على الساحة السورية،كما كانت المقاومة في لبنان،التي كانت تخوض حربها ضد إسرائيل نيابة عن الأمة جمعاء.
والنصر صبر ساعة،فلنصبر جميعا فإن فشل الإبراهيمي ستنجح إرادة الوطنيين المقاومين في سوريا ،وستنهزم أميركا وحلفائها مرة أخرى، ولا تخافوا التضحيات فإما ان نكون شهداء كراما أو سنكون مذبوحين على الطريقة التكفيرية بإسم الإسلام الأميركي المشبوه والمنحرف.