الإستراتيجية الروسية التثبيت ثم التوسع
د نسيب حطيط
بعد القرار الروسي الإستراتيجي بالتدخل المحدود في سوريا في نهايات العام 2015 فوجئ الأميركيون والعالم الغربي بالموقف الروسي الجديد الذي يتسم بالحسم والقوة بعد سبات أكثرمن عقدين من الزمن والتردد في العودة للساحة الدولية كوريث للاتحاد السوفياتي القديم ،حيث اعتادت اميركا والغرب على التعامل مع روسيا كدولة من دول العالم الثالث (ولا زالت) فتفرض عليها الحصار او تتحرش بها امنيا واقتصاديا وحتى عسكريا كما جرى مع أوكرانيا وجورجيا وحيث سارعت روسيا للرد المحدود الرمزي بالسيطرة على جزيرة القرم واضاءة الضوء الأحمر للناتو في مخططه للتوسع في أوروبا لتطويق وتهديد روسيا .
ان المنعطف الإستراتيجي والمفصلي في السياسة الروسية الخارجية والذي لم يك متوقعا كان التدخل المتصاعد في سوريا من التدخل الجوي الى البحري ثم البري برمزيته النفسية عند الروس، حيث كان اول تدخل خارجي بعد الإنسحاب السوفياتي من أفغانستان بقيادة اميركا وتنفيذ القاعدة وما يسمى بالأفغان العرب مضافا الى المقاومة الأفغانية، واحتاجت عملية التثبيت للموقف الروسي في سوريا مع بعض التردد بالنسبة للبعض وبالتكتيك بالنسبة للقيادة الروسية بعض الوقت كمرحلة انتقالية من مغادرة دائرة الإنكفاء والعزلة الى ساحة الفعل والتصدي خارج الحدود .
انتقلت روسيا من متفرج معزول الى شريك سياسي خجول في جنيف وبعدها كانت القفزة الروسية التي هيأها لها الميدان السوري والذي انقلب لصالح الجيش السوري والحلفاء حيث بدأت روسيا بالتعاون مع سوريا وايران بشن الحرب الدفاعية المتلازمة على خطين (سياسي – عسكري) بعملية دعم متبادلة وعكسية بين الساسي والعسكري ، حيث تحملت سوريا وايران والقوات الحليفة وزر وكلفة الميدان العسكري دون اغفال للدور الروسي الجوي الكبير وتكفّلت روسيا بالملف السياسي في مجلس الأمن ثم استانا ثم سوتشي وانتقلت روسيا من موقع الشريك الهامشي الى موقع الرائد السياسي المتحكم باللعبة وتم اخراج اميركا المهزومة في الميدان العسكري في سوريا والعراق والذي انعكس على دورها السياسي في الملف السوري .
بعد نجاح التحالف والتعاون الإستراتيجي بين ايران وروسيا أي بين محور المقاومة وروسيا وحصاد الفريقين الجوائز المتعددة في المنطقة وتقاطع المصالح وحاجة الطرفين لبعضهما البعض على الأقل لمدة عقدين منالزمن لتثبيت الإنجازات التي كسبها الطرفان ولتثبيت واقع الخسائر الأميركية وادواتها ..يتجه الطرفان الى المرحلة الجديدة من التعاون على مستوى الإقليم والمنطقة وفق التالي :
- مرحلة التثبيت للإنجازات والإنتصارات في سورية،وخصوصاً واتخاذها نموذجا للتعاون المستقبلي بين الطرفين (محور المقاومة ممثلا بإيران وبين روسيا ) ولذا لن يكون أي تساهل او تراجع في سوريا مهما كانت المخاطر حتى لو أدى للمواجهة العسكرية حيث كان اسقاط الطائرة الإسرائيلية رسالة واضحة ومكشوفة .
- مرحلة التوسع في التدخل والمشاركة في المنطقة حيث سيكون "اليمن" الوجهة الثانية للتوسع الروسي للإمساك بنقاط القوة الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط والشراكة في التأثير على باب المندب والوصول الى البحر الأحمر بعد تثبيت الأقدام الروسية في البحر الأبيض المتوسط (طرطوس) وبالتالي تحقيق الحلم الروسي القديم بالوصول الى المياه الدافئة .
إن الإعلان الروسي عبر الرئيس بوتين عن الأسلحة الإستراتيجية المتطورة التي تملكها روسيا والتهديد بالرد على كل المستويات هي بمثابة استخدام "كاسحة الغام سياسية " ونفسية يستعملها الروس لتحذير الآخرين من التصدي للتمدد الروسي او التعامل بإستهزاء مع القدرات العسكرية الروسية التي تحمي السياسة الخارجية الجديدة لروسيا –بوتين التي تحاول محو صورة (روسيا – يلتسين و روسيا غورباتشيف) الضعيفة المفككة .
ان عصر الشراكة الروسية او عصر العام المتعدد الأقطاب دوليا والأقطاب الإقليميين قد بدأ على أنقاض الأحادية العالمية الأميركية (القطب الواحد )، ولتثبيت هذه المعادلة ستشهد المنطقة وربما بعض المناطق الأخرى في العالم سخونة وحربا باردة بطعم النار .