يعاني الإسلام في هذا العصر من آفة الردة بشكل مختلف عن الردة القديمة بعد وفاة رسول ا لله صلى الله عليه وآله وسلم، حيث كان البعض يعلن إنكاره للإسلام مباشرة وبشكل واضح وصريح، ويمتنع عن أداء الفروض العبادية والحقوق الشرعية، أما الردة الحديثة؛ فإنها نسخة معاصرة ومتقدمة من النفاق الذي تحدث عنه القرآن الكريم في سورة "المنافقون"، حيث يقول في الآية الكريمة: {وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم، هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون}.
وفي هذا العصر، انكفأ الفكر الديني إلى مستوى لا يليق حتى بالعامة من الساذجين أو الجهلة عبر الفتاوى السخيفة والمضللة والمقصودة، التي تهدف لتفريغ الإسلام من دوره السياسي والاجتماعي والإصلاحي الذي جاءت من أجله الرسالات السماوية، إلى مستوى من الفراغ والخواء الفكري والسلوكي، حتى صارت مشكلة البعض من المسلمين الذين يدعون صفة العلماء إصدار فتاوى إرضاع الكبير أو نجاسة الفأر ميكي ماوس، أو فتاوى التكفير والذبح والاغتصاب لمن يخالفهم الرأي، متجاوزين مشاكل كل الأمة واحتلال مقدساتها ونهب ثرواتها والهروب من معالجة الجوهر إلى القشور، في كيفية طول اللحى وحلق الشارب واللباس القصير وشكل العمامة وغيرها التي وإن كان بعضها من مستحبات السنة الشريفة، لكنها لا تشكل إثباتاً للهوية الإسلامية للشخص، فالإسلام عقيدة وسلوك وإيمان بالقلب، وليس شكلاً خارجياً، لأن الله يحاسب على الأعمال والنيات، وليس على اللون والشكل والمظهر، لكن في عصرنا الحاضر، صار الشكل في المظهر واللفظ حاجباً للجوهر الديني، ومحرفاً له وخادعاً للعامة.
لقد نجحت أميركا وقبلها الإنكليز في صناعة حركات إسلامية وشخصيات فكرية وضعت السم في الدسم، والضلالة في المديح، فأنتجت نماذج فكرية وعسكرية وسياسية تحمل الإسلام اسماً، وتمارس ما يناقض الإسلام مضموناً، بل إن بعضها يحارب الإسلام ولتوضيح الصورة أمام الجمهور العالم المؤمن والطيب الذي يمكن خداعه بالمظاهر.. ولتوضيح الصورة أمام المفكرين والواعين لعدم الإلتباس، فإننا نتاول في هذه المقالة بعض الشروحات والتعريف لبعض الحركات الإسلامية المعاصرة التي أعطت الإسلام صور الدين الإرهابي والمتخلف والمعتدي، والمثير للفتن والحروب، والمعادي للتطور والسلام، وصارت صورة الإسلام رجالاً يذبحون أمام الفيديو لخصومهم من أبناء دينهم أو وطنهم أو يقطعون الرؤوس أو يعدمون النساء في الملاعب الرياضية أو يفجرون الكنائس (بوكو حرام والعراق)، وهذا ما لم يفعله المسلمون الأوائل والمسلمون الحقيقيون.
لقد عملت المخابرات الأميركية (CIA) والمخابرات العربية والغربية على صناعة المنظمات والجمعيات الإسلامية الممنهجة، لاستعمالها بداية ضد الاتحاد السوفياتي في أفغانستان أو لتخريب الأنظمة العربية والإسلامية لزعزعتها للإمساك بها والسيطرة عليها بحجة الدفاع عنها وحماية ملوكها ورؤسائها ومصادرة ثراوتها عبر صفقات السلاح، وقد بدأت هذه الحركات بالظهور منذ أواسط سبيعينات القرن الماضي قبل غزو الاتحاد السوفياتي لأفغانستان ومنها:
- جماعة التكفير والهجرة (مصر).
- جماعة التكفير والهجرة (الجزائر).
- الأفغان العرب (أفغانستان).
- تنظيم القاعدة، وفروعها في الشام والمغرب والعراق.
- حزب العدالة والتنمية (تركيا).
- جماعة بوكوحرام (نيجيريا).
- "حركة كولن"، بزعامة محمد فتح الله كولن في تركيا.
- سلمان رشدي – باكستان (سورية).
- مشايخ الفضائيات الممولة خليجياً وأميركياً (القرضاوي - العرعور..).
- مشايخ ووعاظ السلاطين (مصر - مشايخ السعودية – المشايخ العملاء لبنان..).
إن هذه المنظومة التحريفية المعقدة والسرية والتي تساعدها خلايا إعلامية من الصحافيين ورجال الأعمال والشخصيات الاجتماعية والتربوية ويؤمن لها التمويل اللازم، تعمل على محو هوية الأمة واقتلاعها من جذورها، ومحو لغتها ورموزها مقدساتها، وتساهم الشبكة العنكبوتية ونوافذها المتعددة في "الفايسبوك" و"التويتر" وغيرهما، في تأمين عملية التواصل والتخريب والتحريف والتضليل، لإيصال الأمة إلى مرحلة الصدام الداخلي بين طوائفها ومذاهبها وقومياتها، بديلاً عن الغزو والاحتلال الأميركي، تكراراً لما حصل مع الهنود الحمر في أميركا الذين اقتلعوا من وطنهم وصاروا غرباء بعد إبادتهم عسكرياً ومحوهم حضارياً، وهكذا تم حصار وإلغاء السكان الأصليين في أستراليا وما تسمى "قضية الأجيال المسروقة" قبل الحرب العالمية الثانية، وهذا ما يمارس ضد الشعب الفلسطيني لإبقائه في الشتات لحمل جنسيات أخرى ولغات أخرى وسلوكيات مختلفة عن سلوكياته وأدبياته، وبعد عدة أجيال يمكن القضاء على القضية الفلسطينية بالتذويب الهادئ والناعم بديلاً عن النار والحلول العنيفة والدامية.