الانتخابات العراقية:الانتصار لمحور المقاومة نسيب حطيط
تمّت في العراق أول انتخابات نيابية بعد هزيمة "داعش" من جهة، وتأسيس "الحشد الشعبي" من جهة أخرى، حيث اكتمل المشهد السياسي لـ"الحشد" كحركة مقاومة استثنائية عن غيرها، فهي ترتبط بالحكومة، وتُعتبر أحد مؤسساتها العسكرية إلى جانب الجيش والقوى الأمنية الأخرى، لكنها تتمتع بحُرية حركة ميدانية أكثر من الجيش، وكان لا تأمين تمثيل نيابي وحكومي لها لتوفير الغطاء السياسي والرسمي والإداري الثابت دون إعارة أو تمثيل بالوكالة.
إن من العلامات الاستثنائية لهذه الانتخابات، والتي حيّرت المراقبين الإقليميين والدوليين، هو فوز الكتلة التي يدعمها السيد مقتدى الصدر بالمرتبة الأولى، تساويها تقريباً كتلة "الفتح"الممثلة لقوى الحشد الشعبي، والأسئلة المطروحة للنقاش تتركز حول معرفة أسباب تقدم "سائرون" التابعة للتيار الصدري على غيرها، خصوصاًأن السيد الصدر قد قام بحل كتلته النيابية سابقاً ثم أعلن عدم ترشيحه لكتلة مرتبطة عضوياً به، بل قال بدعم من يعلن وقوفه ضد الفساد ودعماً للإصلاح، بعدما أنزل مناصريه إلى الشارع في اعتصامات وتظاهرات ضد السلطة والزعماء.
بالإضافة إلى ذلك، فقد تمادى البعض في تحليل نتائج الانتخابات، حيث وصفوها بأنها ضربة لإيران ونفوذها في العراق، و"تمرُّد للشيعة العراقيين العرب" على إيران، وانتصار للصوت السعودي في العراق، تتويجاً للدبلوماسية السعودية الناعمة باتجاه العراق، والانفتاح عليه بعد تفجيره بمئات الانتحاريين السعوديين، وتمادى البعض أيضاً ليجزم أن النصر العسكري على "داعش" بعناصرها الخارجيين أو ممثليها وعناصرها العراقيين لم يُترجم سياسياً، وأن التفكك والصراع سيصيب الكتلة الشعبية، وأن المقصّ الأميركي - السعودي استطاع أن يبضع الجسد المقاوم في العراق، وأن الفتنة الشيعية - الشيعية قاب قوسين أو أدنى من الاشتعال، وهذا ما سيصيب إيران في المقتل، ويعيد خلط الحسابات في سورية، ويعيد الفوضى إلى الحدود العراقية - السورية، ويؤمّن لـ"داعش" مكاناً آمناً برعاية أميركية لمنطقة فاصلة بين سورية والعراق لقطع طريق طهران - بغداد - دمشق - بيروت.
كل هذه الاستنتاجات بُنيت على أساس الرغبات والأمنيات والتخطيط الأميركي - الخليجي.. والسؤال: هل هذه الفرضيات والتحاليل واقعية، أم أنها أضغاث أحلام؟
جواباً على هذه الاستنتاجات الخاطئة لا بد من التوضيحات الآتية:
أولاً: التيار الصدري ليس دخيلاً على التمثيل السياسي الشيعي، وليس "حصان طروادة" للآخرين، فهو صاحب تمثيل نيابي سابق ووازن، وكذلك في الحكومات السابقة، وهو من القوى التي قاتلت أميركا وتعلن رفضها للاحتلال الأميركي، وكذلك قاوم الوجود التكفيري (داعش) في العراق، واذا كانت للتيار الصدري بعض الآراء الجزئية في التعامل مع المحيط الإقليمي بهدف إطفاء الفتنة السنية - الشيعيةمن وجهة نظره،فذلك لا يعني تبعيته لهذه الدول، وإذا كان يتمايز في رأيه عن الموقف الإيراني تجاه بعض القضايا الإقليمية وغيرها فهذا لا يعني معاداته لإيران،ولا يجعله خارج الإطار السياسي الشيعي الذي تحدده المرجعية الدينية والرأي العام الذي لاينسى موقف إيران وشهداءها في الدفاع عن العراق ضد "داعش".
ثانياً: كتلة "الفتح" الممثِّلة لـ"الحشد الشعبي" تدخل لأول مرة في البرلمان العراقي، وبعده إلى الحكومة المقبلة، وهذا يعني أن مستقبل "الحشد" ليس رهينة ضغوط خارجية سعودية أو أميركية، ولا موضع مساومات داخلية،حيث أصبح "الحشد الشعبي" قوة عسكرية وسياسية وجزءاً من النسيج الاجتماعي والديني العراقي، وهذا ضمانة لمستقبل العراق الموضوع تحت المجهر والأطماع الأميركية - الخليجية.
كما صُفعت أميركا وممثلوها الخليجيون في الانتخابات اللبنانية، وسقط مشروع كسر المقاومة في لبنان، فقد سقط المشروع الأميركي في الانتخابات العراقية، وتكامل انتصار الحشد الشعبي ميدانياً مع انتصاره سياسياً في البرلمان والحكومة.