الانتفاضة التي لم تولد بعد نسيب حطيط
بعد أكثر من أربعين يوماً على قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب نقل السفارة الأميركية إلى القدس، والاعتراف بها كاملة عاصمة للكيان "الإسرائيلي"؛ بما عُرف بـ"صفقة العصر"أو "سرقة العصر" ، مازلنا بانتظار الانتفاضة الشعبية الفلسطينية السلمية أو العسكرية،والتي يبدو أنها ستكون صعبة المخاض أو الولادة؛ كما تنبّأ ترامب، وفق التطمينات والضمانات التي أخذها من بعض الدول العربية، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، التي حتى لا نظلمها لم تتفرد بالبيع أو التنازل عن القدس وحدها، بل شاركها معظم العرب والمسلمين، وجزء كبير من الفلسطينيين،سواء بالترغيب أو الترهيب، لكن النتيجة مؤسفة وخطيرة:ضياع القدس، والذي إن تحقق برمزيته الدينية والمقدسة فلن يكون هناك أي عائق أو استباحة لأي شيء في فلسطين وغيرها،مادام أنه تمّ السكوت عن بيت المقدس، سواء بالبيع أو المقايضة أو التواطؤ أو العجز.
يتحمّل مسؤولية ضياع القدس ثلاثة أطراف وفق الآتي :
1- الطرف الفلسطيني الذي انشغلت بعض أطرافه ومنظماته وقياداته بـ"الربيع العربي"، وجنحوا لخندق المحور الأميركي التكفيري لأسباب مذهبية وطموحات شخصية وعطاءات مالية، فتركوا ساحات الجهاد في فلسطين وعبروا الحواجز "الإسرائيلية" بسهولة وتسهيل ليفجّروا أنفسهم في ساحات سورية والعراق ولبنان..بالإضافة إلى الانقسام المزمن والخطير الذي ما عرف الفلسطينيون كيف يوحدون مشاريعهم على الأقل ضد الصهاينة، وهم الذين وقّعوا عدة اتفاقات وبشّروا جماهيرهم بالوحدة لكنها لم تثمر شيئاً، وصارت السلطة الضعيفة والمحاصرة سلطتين تستجديان المساعدات؛ واحدة في غزة، وأخرى في الضفة.
2- الطرف العربي والإسلامي، وفي مقدمته المملكة العربية السعودية، بصفتها ممثلة للإسلام السياسي في العالم العربي على الأقل، مدعومة من تركيا؛ الحليف الاستراتيجي لـ"إسرائيل"، وعضو حلف "الناتو"،تعاونهما مصر والأردن وبعض دول الخليج التي فتحت أبوابها للصهاينة عبر التطبيع والتحالف، حيث استطاعت هذه المنظومة إظهار نفسها بأنها الوصي على "الفلسطيني القاصر"، ويمكنها التصرُّف بحقوقه والتنازل عن القدس وعودة اللاجئين،أو إقامة الوطن البديل في الأردن.
3- الطرف الأميركي – الصهيوني الذي وبحكم أنه محتل وغاصب ومُصادر لحقوق الآخرين، فإنه يستغل الفرص المتاحة لترسيخ احتلاله وتوسعته وإضعاف أعدائه .
إن فعاليات الرفض لقرار ترامب مازالت خجولة ومهينة وضعيفة، خصوصاً على صعيد الداخل والخارج الفلسطيني،وما جرى من تحركات ومسيرات فلسطينية كانت أقل عدداً وحضوراً من مسيرات سارت في مدن عالمية، حتى أن احتفالات فلسطينية بذكرى تأسيس المنظمات والحركات كانت أكثر حشداً وتغطية إعلامية..التهديد والوعيد والتحذير للكيان الصهيوني كان كلاماً لا يُسمع صداه في الأرض الفلسطينية إلا بعض المبادرات الفردية الانفعالية والرمزية لستر العورة، فسلطة الضفة تُجاهر وتُعلن أنها ضد المقاومة المسلحة، وتصفها بالعنف والإرهاب، والسلطة في غزة منقسمة على نفسها بين تيار يريد البقاء مع الحركات التكفيرية في "الربيع العربي" ومقاتلة محور المقاومة، وتيار يريد استعادة البوصلة باتجاه فلسطين، والجميع بلا حراك ميداني إلا كل يوم جمعة بعد الصلاة؛ في حركة باردة تبدو وكأنها وظيفية ورفعاً للعتب أكثر منها عملية مقاومة شعبية ضمن منظومة رفض التنازل عن القدس.
لقد تصدّى محور المقاومة بقيادة إيران وتنسيق حزب الله في لبنان لجمع الشمل وتوحيد الجهود التي لم تثمر بالشكل المطلوب حتى اللحظة، مع الخوف من أن يبادر العدو "الإسرائيلي"إلى تحميل المقاومة في لبنان مسؤولية أي عملية عسكرية في الداخل الفلسطيني بعد تصريحاتأمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله عن اجتماعاته مع المنظمات الفلسطينية، فيبادر العدو "الإسرائيلي" للقيام بعمليات أمنية عبر بعض العناصر التكفيرية المرتبطة ببعض أجهزة المخابرات العربية، وذلك لتثبيت معادلة جديدة: الأمن في لبنان مقابل الأمن في فلسطين!
القدس على حافة الضياع، بإنتظار الانتفاضة التي لم تولد بعد.