التقارب السعودي الإيراني خيار أم ضرورة
د. نسيب حطيط
يتحدث الكثيرون عن الصراع السعودي – الإيراني وإنعكاساته الإقليمية والدولية فعندما تتصارع السعودية وإيران تنفجر بعض الساحات العربية والإسلامية وإذا ما إتفق الطرفان تساقطت مياه الإطفاء والتسويات والمصالحات فينتخب رؤساء الجمهوريات أو يكلف رؤساء حكومات وتهدأ ساحات القتال وتبدأ مصطلحات الوحدة والأخوة الإسلامية.
لقد وصلت الخلافات السعودية – الإيرانية إلى ذروتها خلال أعوام ما يسمى بالربيع العربي ،فكان الصدام في البحرين و المنطقة الشرقية في السعودية وسوريا ولبنان والعراق وحتى داخل الساحة الفلسطينية ،وصبغت بعض الأحداث بالوان الصراع الإيراني – السعودي أو المذهبي وتم تعريتها من صفتها الوطنية سواء في البحرين أو السعودية أو اليمن وكانت ساحة الصراع الأعنف عسكريا في سوريا حيث تصادم الموقفان السعودي والإيراني بشكل ساخن فالإيرانيون إلى جانب النظام والسعوديون يدعمون المعارضة المسلحة ، بالتزامن مع صراع سياسي حاد في لبنان لامس الإنفجار الأمني بلغ ذروته بإخراج السعوديين من المشهد السياسي بإسقاط الرئيس الحريري من رئاسة الحكومة ووصل الإنفعال والتعصب السعودي إلى ذروته بالتحريض لضرب إيران للقضاء على ملفها النووي.
لقد بادر وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل لدعوة وزير الخارجية الإيراني لزيارة السعودية كبادرة لإعادة الحرارة للعلاقات السعودية – الإيرانية في لحظة تاريخية تشهدها المنطقة ولإستعادة السعودية دورها الإقليمي والإسلامي ولكن ما هي الأسباب التي دفعت السعودية لفتح الأبواب أمام الحوار السعودي الإيراني:
- إنقلاب الصورة الميدانية والسياسية على الساحة السورية ضد ما تشتهيه السعودية وظهور بوادر تحسن فرص النظام وحلفائه وتقهقر المعارضة وهزيمتها في أكثر من جبهة والتفتت التنظيمي والعسكري الذي وصل لذروته بالمعارك الدامية والوحشية بين (داعش) و (النصرة).
- الموقف الأميركي المرتكز على مبدأ الحوار مع إيران والذي شاركت فيه أوروبا مما ساهم في تحرر النظام الإيراني من العقوبات والحصار والإعتراف بحقوقه النووية والإعتراف بدوره الإقليمي وصولاً إلى المشهد الدولي.
- الصراع السعودي – القطري والخلاف السعودي –التركي في قضايا الربيع العربي وتفتت جبهة الداعمين للإخوان المسلمين والجماعات المسلحة مما جعل السعودية وحيدة في ميدان الدعم والمؤازرة.
- الصراع داخل العائلة المالكة السعودية وبدء الملك عبدالله بتأسيس الدولة السعودية الثالثة وترتيب أوضاع الحكم والوراثة السياسية لصالح أبناء الملك عبدالله وأبناء الأمير نايف، مما يجعل العائلة المالكة بمواجهة المعارضة الليبرالية (السنية) والمعارضة (الشيعية) في المناطق الشرقية وتهديدات (داعش) والقاعدة والتي أعلنت السعودية عن إكتشاف أكثر من 100 عنصر من خلايا إرهابية مما جعل المملكة تقاتل على جبهات متعددة في الخارج والداخل ولأول مرة في تاريخها السياسي تصل لضرورة إتخاذ القرارات الواضحة والحاسمة العسكرية.
- خسارة المملكة لحروبها في البحرين والعراق واليمن وسوريا ولبنان وصراعها مع قطر والإخوان في مصر وإخراجها من الملف الفلسطيني نهائياً وعدم إمكانية حسمها الأمور في سوريا.
- شعور المملكة ببدء التخلي الأميركي عن دورها ومحاولة التفتيش عن مصالحها بإتفاقيات وحوارات مع إيران وغيرها وعدم جدوى (الإضراب) السياسي السعودي عندما تنازلت عن مقعدها في مجلس الأمن أو مطالبتها بالضربة العسكرية ضد سوريا أو عدم مجاراتها لإبعاد نوري للمالكي في العراق.
لكل هذه الأسباب استعادت السعودية أنفاسها وحساباتها ونتيجة لمعرفتها بأن إيران تتجه إلى تبريد العلاقات مع السعودية لتحقيق الأهداف التالية:
- إطفاء الفتنة السنية – الشيعية في كل ساحات العالمين العربي والإسلامي.
- إنهاء الصراع الداخلي الذي نهش الجسد الإسلامي بمكوناته الذهبية المتعددة.
- التفرغ لمقاومة المشروع الأميركي والصهيوني لتفتيت المنطقة واستعادة نهج المقاومة في فلسطين وفي دول الطوق.
- إعادة التفاهم للمشاركة برسم المشهد السياسي والكياني للمنطقة العربية حتى لا تكون الحلول على حساب السعودية وإيران وحفظ مصالحهما وفق توازنات تظهر الجميع في موضع الإنتصار.
إن النصائح الأميركية للسعوديين والظروف الميدانية دفعت السعوديين للإقتناع بصوابية الحوار السعودي – الإيراني الذي انقسم على مرحلتين:
- مرحلة غير مباشرة.
- مرحلة الحوار غير المباشر.
ففي المرحلة الأولى تمت التسوية السياسية المؤقتة في لبنان عبر تشكيل حكومة الرئيس سلام بمشاركة حزب الله والمستقبل والمساكنة السياسية لهما والتعاون الأمني وإطفاء النار في طرابلس وتخفيض سقف الخطاب السياسي تبعها بعد ذلك تسوية حمص القديمة الإستثنائية والتي يمكن أن تتطور لتسوية حي الوعر في حمص مما يقفل الجبهة المحاذية للحدود مع لبنان ويحمي لبنان من النار السورية.
المتوقع بعد مبادرة الفيصل تجاه نظيره الإيراني أن يبدأ الحوار المباشر للبدء بالتفاهم على الملفات في سوريا ولبنان والعراق والبحرين واليمن على أن تكون باكورة جس النبض عبر انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان يليها العراق عند تشكيل الحكومة وكذلك في البحرين تنشيط الحوار بين المعارضة والنظام بالتوازن مع بدء المناقشات حول سوريا وإمكانية استيعاب المعارضة في المنظومة السياسية والإدارية للدولة السورية.
لقد انتهى حلم الحسم العسكري وبدأت مرحلة التسويات والتي ستبقى خلالها بعض النيران المشتعلة لتحسين أوضاع المفاوضين ،لكن الإنعطاف السعودي هو الإعلان عن بدء المرحلة الأخيرة من الربيع العربي الدموي والذي ستنتقل صراعاته إلى المغرب العربي مع بدء الصراع في تونس وليبيا والجزائر وصولاً إلى مالي وغيرها.
مع دعائنا بغلبة الحوار السياسي على الحوار بالرصاص لحماية ما تبقى من هذه الأمة المنكوبة.