الجزائر حتى لا تتكرر العشرية السوداء
د نسيب حطيط
في تسعينيات القرن الماضي اثخنت الجزائر بجراح اول حرب تكفيرية واسعة خاضتها الجماعات التكفيرية عقب إدعاء تحقيق فوزها في الانتخابات الجزائرية وأوقعت الشعب الجزائري في كمين ما سمي (بالعشرية السوداء) التي قارب عديد ضحاياها مئات الألاف من العسكريين والمدنيين بناء على فتاوى التكفير التي وصلت في توحشها بإلإفتاء ببقر بطون الحوامل من زوجات رجال الشرطة والعسكريين الجزائريين بعنوان الكافر لا يلد الا كافرا!
وبعدما أنهكت الجزائر اقتصاديا وأمنيا"، استطاع الجيش والشعب الصمود ومقاومة التكفيريين ورضوخ الدولة لبعض المطالب الأميركية والفرنسية المتعلقة بالغاز والأرصدة والسياسات الخارجية توقفت المجازر العشرية السوداء التكفيرية.
بعد حوالي عقدين من انتهاء العشرية السوداء في العام 2002 تعود الجزائر لدائرة التهديد والفوضى تحت عناوين معيشية وديمقراطية وتداول السلطة وبعضها واقعي وصحيح الا أن الخوف ان تكون مطيّة لإدخال الجزائر في منظومة الدول التي تعرضت للربيع العربي الدموي الذي لا يزال يعبث بالكيانات والدول والشعوب العربية منذ العام 2011 ولا يبدو انه سينتهي مع تداعياته واثره قريبا" خاصة وان النفاق الأميركي الذي يدعو لنشر الديمقراطية في العالم تحت عنوان "الفوضى البناءة" ويستخدم أدوات ملكية واميرية وتكفيرية لا تعترف ولا تمارس الديمقراطية في مشروعه الديمقراطي المزيف ؟
ان الجزائر تتعرّض للعقاب الأميركي والصهيوني نتيجة موقفها المؤيد لمحور المقاومة او على الأقل عدم محاربته والتي لم تتآمر على سوريا وتحاصرها والأهم انها لم تنزلق إلى مؤامرة التطبيع مع العدو الإسرائيلي ولم يبق غيرها في المغرب العربي وشمال افريقيا خارج السيطرة الأميركية - الغربية بعد سقوط ليبيا بأيدي "الناتو" والجماعات التكفيرية والليبية المتناحرة واحتواء تونس عبر الأخوان المسلمين (حركة النهضة) وإصطفاف المغرب منذ عقود الى جانب التطبيع مع العدو الإسرائيلي،لذا يتجه الأميركيون وادواتهم لإسقاط الجزائر للسيطرة الكلية على أبواب افريقيا ومضيق جبل طارق لقطع الطريق على الوجود الروسي او الصيني في المنطقة خاصة وان افريقيا تمثل جغرافيتا أساسية في الإستثمارات الصينية،مما يهدد المصالح الفرنسية والأميركية والبريطانية وأخيرا" الإسرائيلية.
لكن لا بد من لفت الإنتباه ان ما تقدم ذكره لا يلغي وجود صعوبات داخلية في الجزائر لجهة المطالب المعيشية او لجهة تداول السلطة بعد إصابة الرئيس أبو تفليقة وعدم تمكنه من إدارة البلاد، يضاف اليها البطالة والغلاء والنقص في التقديمات الصحية والإجتماعية ، بالإضافة الى ترسبات "العشرية السوداء" حيث ان الفكر الوهابي والتكفيري لا يزال معششا" في رؤوس بعض الجزائريين وأئمة المساجد مع ما تغدقه الوهابية السعودية عليهم من أموال وعطاءات .
إن الأنظمة تشرّع نوافذ اوطانها للتدخل الأجنبي بقصد او غير قصد عبر عدم المبادرة لحل المشاكل التي يعني منها المواطنون مما يدفع الناس للتظاهر للمطالبة بإسترداد الحقوق المسلوبة او الضائعة بالفساد او البطانة المحيطة بالحاكم، فتستغل أجهزة المخابرات الحراك الشعبي الصادق وتشعل الحرب الأهلية وفق مخططاتها وتسخر الإعلام والمؤسسات الدولية للإمساك بمقاليد الأمور وفي نهاية الحرب تخسر السلطة الحاكمة وكذلك الجمهور العام وتربح الدول الأجنبية وتصبح الحاكم الفعلي للبلاد اما مباشرة او عبر دمى سياسية تنصبها في السلطة .
إن مبادرة الرئيس الجزائري لتعليق الانتخابات والتعهد بعدم الترشح لولاية خامسة والتأسيس لفترة انتقالية يعطي بعض الأمل المؤقت حتى لا تقع الجزائر في فخ عشرية سوداء ثانية،تهدم ما تبقى او تم إعادة ترميمه بعد العشرية السوداء الماضية ،لكن ما يقلق هو التدخل الفرنسي والأميركي والخليجي في الحراك الشعبي الذي لا تقوده قيادة وطنية جزائرية واضحة فوق الأرض مما يجعل الحراك الشعبي ضحية الإنفعال والعفوية والقرارات التي تصدرها السفارات وادواتها الجزائرية او من محاريب المساجد التي تحركها الوهابية السعودية.
ان الجزائر آخر قلعة عربية في شمال افريقيا والمغرب العربي الى لم تستدرج الى التطبيع مع العدو الإسرائيلي ولم تقطع علاقتها مع محور المقاومة...لذا فإنها تمثل الهدف المركزي للإدارة الأميركية والغربية لإنهاك دول وشعوب العالمين العربي والإسلامي ولا زالت فرنسا تتربص للعودة الى الجزائر وإعادة استعمارها واستثمار ثرواتها الوطنية والخوف ان يدفع الأخوة في الجزائر مليون شهيد في حروبهم الداخلية لتعود فرنسا وأميركا بعد دفع الجزائريون مليون شهيد لطرد الإستعمار وتحرير الجزائر .
حمى الله الجزائر وشعبها ... من السرطان الديمقراطي الغربي.