الحرب الروسية الأوكرانية تأسيس لأحلاف عالمية جديدة نسيب حطيط =ريدة الثبات
تشكل الحرب الروسية –الأوكرانية التي هي بمنزلة حرب روسية-أميركية في الجوهر لكن بقفازات اوكرانية والتي سترسم خريطة عالمية جديدة على مستوى الأحلاف والمحاور والإصطفافات تشابه الانقسام العالمي "البارد" قبل انهيار الإتحاد السوفياتي، حيث كان العالم مقسوما بين الكتلة الغربية بقيادة اميركا وله ذراعه العسكرية حلف "الناتو" والذي لايزال قائما مقابل الكتلة الشرقية التي يقودها الاتحاد السوفياتي وذراعه العسكرية حلف "وارسو" اللذان انهارا وتفككا بعد انهيار وتفكك الإتحاد السوفياتي في مطلع تسعينيات القرن الماضي .
ان الأحلاف الجديدة ستكون عالمية وشاملة تستوعب حتى الدول الصغيرة وربما بعض حركات التحرر الوطنية، ويتشكل المحور الأول بقيادة اميركا كما كان الحال في العقود السابقة مع انضمام دول من الكتلة الشرقية السابقة وبعض الدول العربية، وخصوصاً الخليجية، مقابل المحور المتنوع والذي يغلب عليه الطابع الشرقي ) وهو بقيادة ائتلافية وجماعية يتقدمها الثنائي "الروسي-الصيني" وينضكم اليه ايران فنزويلا وكوبا وكوريا الشمالية وبعض حركات التحرر ويشكل من الناحية العددية البشرية أكبر من المحور الأول طالما ان الهند وباكستان ستبقيان خارج الاصطفافات والمحاور العالمية بالشكل المباشر.
ان الانتفاضة العسكرية الروسية هي بداية مشروع تقييد اميركا وإلغاء منظومة القطب الآحادي العالمي"، الذي استطاعت اميركا التربع عليه منذ سقوط الاتحاد السوفياتي ولمدة ثلاثين عاما مع بعض المناوشات والاقلاق المحصور بايران وحلفائها في منطقة الشرق الأوسط، والذي استطاع منفرداً مشاغلة اميركا لمدة أربعين عاما وكانت المرحلة الساخنة بينهما منذ الغزو الأميركي للعراق عام 2003 ثم حرب تموز 2006 على لبنان والعشرية السوداء في الربيع العربي الذي اشعلته اميركا لتفتيت المنطقة، وكان التدخل الروسي في سوريه البوابة الرئيسة التي خرجت منه روسيا من سباتها الذي امتد لأكثر من عقدين من الزمن والذي أعاد روسيا الى المشهد السياسي والعسكري الدولي، وأعاد الوجود العسكري الروسي الى منطقة الشرق الأوسط والبحر المتوسط منذ ان طرد الرئيس أنور السادات الخبراء السوقيات من مصر عام 1972....
الميدان الأوكراني يشكل ميدان المباراة "الأميركية- الروسية" الحاسمة حيث لا يستطيع الجانبان التراجع، وعليهما مواصلة المعركة لأن نتائجها ستقرر المشهد السياسي العالمي لعقود طويلة كما كان بعد الحرب العالمية الثانية، فاذا انهزمت روسيا ،ستكون النتائج تفكيك الاتحاد الروسي وإلغاء روسيا من القوى العظمى وإعادة تثبيت السيطرة الأميركية على العالم بشكل مطلق، واذا هزمت اميركا وحلف الناتو يعني الغاء الأحادية الأميركية في قيادة العالم وتصحر الدور الأوروبي وصعود الصين وبناء عالم متعدد الأقطاب والرؤوس مع أدوار مؤثرة لقوى إقليمية صاعدة مثل ايران وتركيا وتهميش دور بعض الدول مثال السعودية او بعض الكيانات الوظيفية في الخليج واسرائيل وغيرها ...
ان تداعيات الحرب في أوكرانيا لا تنحصر باطرافها او ميدانها وجيرانها، بل ان شظاياها ستنتشر عالميا سلبا او إيجابا، وستؤثر على الاقتصاد والأمن العالميين وبالتالي نحن معنيون يمتابعتها ووجوب الحذر في أي خطوة او موقف بعيدا عن الصبيانية والعبث السياسي، أو التبعية العمياء لارادات خارجية تتحكم بالهاتف بإصدار مواقف على مستوى الدولة اللبنانية وهل فكر احد من المسؤولين مثلا لو قامت روسيا واستخدمت حق النقض "الفيتو" عند التجديد للقوات الدولية في جنوب لبنان ...!
ان الحرب "الروسية – الأوكرانية"، نهاية مرحلة الحرب الباردة او المساكنة الحذرة عالميا، وبدء مرحلة ساخنة على المستوى العالمي لإعادة ترتيب منظومة القيادة والسيطرة وتقسيم العالم وثرواته للقرن الجديد وستكون لها ضحاياها واثمانها التي سيدفعها الجميع بشريا واقتصاديا وستدير اميركا حروبها بواسطة الآخرين والذين سيدفعون الأثمان المباشرة .لتعود اميركا وتدفع الثمن المتمثل بنهاية اميركا القوة الأعظم، لتصبح الدولة الكبرى في منظومة الدول الكبرى وسيتراجع تحكمها المالي بالعالم ويتنحى الدولار عن مرتبة المرجعية المالية الوحيدة في العالم ....