الحركــات السلفيــة بيــن السياســة والديــن
د.نسيب حطيط
(السلفية) مصطلح ديني يوصف به جماعة المسلمين الذين يقتدون(بالسلف الصالح) من صحابة رسول الله(ص) الأوائل(الخلفاء الراشدون) والدائرة الثانية بعدهم وحتى الثالثة ،وعلى الأحاديث النبوية الشريفة الصحيحة أو الضعيفة سواء كانت متواترة أو آحادية ،بالإضافة إلى إلتزامهم بتعاليم واجتهادات بعض العلماء في عصور سابقة(إذا أجمع عليها الفقهاء) دون تحديد من هم الفقهاء المعترف بهم ،حيث أنه أكثر علماء أهل السنة والجماعة اليوم لا يؤيدون مبدأ(التكفير)أو الجهاد(الملتبس) بل تنحصر هذه الشعارات ببعض المراهقين الدينيين أو المضللين من القاعدة وأخواتها الذين يطلقون الفتاوى(كأمراء) الجماعات السلفية الجهادية(التكفيرية)دون أي سند شرعي أو علمي .
لقد برز(الفكر)السلفي على لسان الشيخ (إبن تيمية ) في القرن السابع الهجري بعد سقوط العباسيين وهزيمتهم على يد التتارسنة656 هجرية، بعدما كانت الأفكار السلفية بين مد وجزر في زمن العباسيين ثم انبعثت السلفية في القرن الثامن عشر على يد محمد بن عبد الوهاب في شبه الجزيرة العربية بعد سقوط الخلافة العثمانية على يد التحالف الغربي ،واعتمدت (الوهابية) كمنهج فكري للملكة العربية السعودية بعيدا عن المذاهب السنية الأربعة.
وفي نهاية القرن العشرين قبل ثلاثة عقود تقريبا عادت السلفية إلى الظهور بعد الهزائم التي أصابت العرب والمسلمين والغزو السوفياتي لأفغانستان، ونتيجة غياب المؤسسة الدينية الواعية والفاعلة والمستقلة(خاصة عند أهل السنة والجماعة) حيث أن المؤسسات الدينية(الأزهر الشريف)ووزارات الأوقاف والمفتين وخطباء الجمعة صاروا موظفين رسميين عند الدولة تمنحهم الرواتب وتصادر(الألسنة) ودعائها وخطاباتها.
ونتيجة الأحباط عند الجمهور وباستغلال أميركي ومخابراتي متعدد الجنسيات تم(حرف)هذه الجماعات عن أهدافها أو تضليلها بتغيير الأعداء ومواصفاتهم ،فأعتقدت بوجوب محاربة الأنظمة لتغييرها قبل محاربة العدو الإسرائيلي ومن قبلهما محاربة المؤسسات الدينية والعلماء ،لكن وفق أسلوب التكفير واستباحة القتل وبأساليب وحشية، فكانت أحداث مصر في الثمانينات والتسعينات بين جماعات التكفير والهجرة ومن ثم في الجزائر وما شهدته من أحداث دموية بين النظام والجماعات الإسلامية.
إن الفكر السياسي السلفي يعتقد بوجوب حصر الحكم والتشريع بالله سبحانه(إن الحكم إلا لله). وأن أحكام الشريعة الإسلامية الواردة في الكتاب والسنة واجبة التطبيق في كل زمان ومكان، حسب فهمهم لها،ويعتقدون أن من أشرك في حكمه أحداً من خلقه سواءً كان حاكماً أو زعيماً أو ذا سلطان أو مجلساً تشريعياً أو أي شكل من أشكال السلطة، فقد أشرك بالله، ويرفضون الديمقراطية كنظرية سياسية، ويروجون لمصطلح "الشورى" كبديل شرعي إسلامي لها،كما يرفضون كافة المذاهب السياسية العلمانية السائدة، ويرفضون تساوي كافة أفراد المجتمع في أصواتهم أياً كانت درجة علمهم وانضباطهم السلوكي والأخلاقي، كما يعترضون على الأطر الأيديولوجية التي تتم فيها عمليات الانتخابات في سائر الدول الإسلامية.
ينتشر (السلفيون) في مختلف أنحاء العالم الإسلامي، فيتواجدون في شبه الجزيرة العربية واليمن ومصر والعراق والشام وشمال إفريقيا وتتبنى السعودية الفكر السلفي بشكل رسمي، كما وأن في هذه الدول وغيرها جماعات وجمعيات تتبنى المنهج السلفي وتسعى لنشره، مثل: جماعة أهل الحديث في باكستان والهند وبنجلاديش ونيبال، وجماعة الدعوة إلى القرآن والسنة في أفغانستان، والجمعية المحمدية في اندونيسيا وسنغافورة وماليزيا، وجمعية أنصار السنة المحمدية في مصر والسودان واريتريا وجمعية إحياء التراث الإسلامي في الكويت وجمعية دار البر في دبي وغيرهم،كما ظهرت جماعات مسلحة وصفت بالإرهابية، ترتبط بالسلفية على صعيد الانتساب للسلف، لكنها تتميز بتكفير كل من يخالف عقيدتها وتستبيح قتله كمرتد، لذا يعتبرها البعض أنها تسعى لتبييض صورتها أمام العالم الإسلامي من خلال نسب نفسها للسلف.
ينقسم السلفيون في موقفهم من الديمقراطية الى قسمين ،ما بين معارضين ومؤيديين، فالمعارضون يرون ان الشورى تختلف عن الديمقراطية ،وان الديمقراطية تسمح بتقدم الضالين فكريا أو العلمانيين للسلطة ،ويرون ان الديمقراطية تجعل البشر يصوتون على أحكام الله ،ويرون ان نظام الحكم يجب أن يكون بالشورى بين أهل العلم والأذكياء والباحثين أي أهل العقد والحل،وفي الطرف الآخر (وهم الجمع الأكثر من السلفيه المعاصريين)(الأخوان المسلمين) يرون الديمقراطيه نظام قابل للتطور ودمجه ليصبح إسلاميا بل وذهب بعضهم إلى الدعوى لنظام الخلافة الراشدة ( حزب التحرير) الذي يمنع التصويت في أحكام الله وهناك(اي اناس اهل علم) لايتقبلهم الناس ويرفضونهم لان هؤلاء العلماء خرجوا بفتاوى غريبه كإرضاع الكبير وجواز فك السحر بالسحر فهؤلاء ربما يستغلهم الحاكم بحجه علمهم ويكونون وباء على الأمه.
لقد ظهرت النسخة الجديدة من الجماعات الجهادية المستندة ظاهرا إلى (الفكر السلفي) التكفيري من(القاعدة) وطالبان وغيرها ،والتي شكلت نافذة سلبية للغرب لشن هجومه على الإسلام ووصفه بالإرهاب وحصاره مع المسلمين في الغرب وأميركا ،عبر منع النقاب أو بناء المآذن أو تقييد الحريات والمراقبة الأمنية وغيرها من القوانين والممارسات ضد العرب والمسلمين,
والخوف الآن من توريط هذه الجماعات السلفية لتفخيخ الثورات العربية واستغلال سلوكياتها ومفاهيمها(المتحجرة)وغير الناضجة أو الواعية لأحكام الإسلام،وذلك لتخريب الإنتقال الهادئ والسياسي للسلطة ، وما يجري في مصر من أحداث طائفية بين الأقباط والمسلمين من نافذة بسيطة وساذجة حول إسلام(إمرأة) أو إثنتين، حيث يهدد هذا السلوك وحده الشعب المصري وكيانه السياسي مما دفع الحكومة المصرية للإعلان أن(الأمة المصرية في خطر)وما تشهده سوريا الآن من استغلال للتحركات الشعبية المطالبة بالإصلاح ،حيث بادرت هذه الجماعات المسلحة بالتعاون مع أجهزة مخابراتية عربية وغربية لتفخيخ الساحة السورية،و جرها إلى أتون حرب اهلية وطائفية أشعلتها الفتاوى الدينية التي بدأها الشيخ القرضاوي والشيخ صالح اللحيدان بالإضافة لبعض المشايخ البسطاء في درعا وغيرها.
إن الإسلام والمسلمين يواجهون خطر التحريف العقائدي والسلوكي لهذه الجماعات التي تلحق الضرر بالإسلام بذريعة الحفاظ على الجذور وافكار السلف الصالح ، بينما تؤكد الأحداث انحراف افعالهم من ذبح للمسلمين وتكفير بعضهم وتفجير المجتمعات بشعارات ومطالب غير واقعية ،مما يوجب على الأمة بعلمائها ومثقفيها ومؤسساتها الثقافية والإعلامية التعاون لإنقاذ ماتبقى من قيم الإسلام ومصالح المسلمين ومنع إشعال الفتن المذهبية والطائفية في بلادنا ،مما يهدد الأمن والإستقرار ووحدة الأمة، وينذر بالتقسيم والتدخل الأجنبي احتلالا او استعمارا مباشرا أو بواسطة معاهدات الدفاع المشترك او القرارات الدولية..؟