مع إنعقاد مؤتمر(انابوليس)للسلام تم طرح الإعتراف بإسرائيل(دولة يهودية)بالمعنى الديني بعد مفاوضات ثنائية منذ إتفاقات كامب ديفيد 78 أوسلو عام 1992إلى وادي عربة في الأردن ومؤتمر مدريد أظهر أن مبدأ(الأرض مقابل السلام)قد إعتمدته إسرائيل بشكل معكوس فبدل أن يكون السلام لها مقابل إرجاعها الأرض المحتلة للعرب،فإنها تطرح إعطاء السلام للعرب وعدم الإعتداء عليهم مقابل تخليهم عن الأرض المحتلة،والحقوق المنصوص عليها دوليا" خاصة للشعب الفلسطيني وبدل أن تلتزم إسرائيل بحق العودة للفلسطينيين،تتجه إسرائيل لإرغام العالم للإعتراف بحقها لتهجير ما تبقى من الفلسطينيين داخل حدود 1948أو ما يسمى (عرب إسرائيل)وبالتالي فإن المحصلة النهائية لأكثر من ستين عاما" من إحتلال فلسطين وأكثر من خمسة حروب عربية إسرائيلية وما تخللها من حروب إستنزاف وإنتفاضات مسلحة داخل فلسطين،وبعد مفاوضات إستمرت ما يقارب الثلاثين عاما" قاربت إسرائيل لحظة تاريخية لم تكن تحلم بتحقيقها وهي :
*الإحتفاظ بالأرض الفلسطينية كلها.
*تهجير ما تبقى من فلسطيني 1948 وبمفعول رجعي.
*بيع السلام للعرب بدل أن تشتريه منهم.
ربح الإعتراف العربي بإسرائيل مع عدم إعترافها بالدولة الفلسطينية وهذا ما يمثل قمة الإنتصار الإسرائيلي متلازما" مع قمة الهزيمة العربية وبما يتناقض مع الوقائع والمعطيات التي يجب أن تؤدي إلى نتائج عكسية وفي نظرة تاريخية لولادة نظرية(الدولة اليهودية) على المستوى الفلسفي والنظري والقانوني فإننا نجد أنه مع آواخر القرن الثامن عشر قبيل المؤتمر الصهيوني الأول عام 1897قد دعا الكاتب اليهودي لونسكر في كتابه(التحرر الذاتي لليهود) إلى نظرية الإنفصال عن المجتمع الغربي،وتحويل اليهودية إلى هويـة قومية وقد عارضه في ذلك الكاتب اليهودي اليهودي موشي مندلسون زعيم حركة(هسكلاة)الذي نادى بنظرية الإندماج والتماهي مع المجتمعات المحيطة باليهود.أما كارل ماركس فقد رفض تحويل الدين اليهودي إلى جذر مركب قومي واعتبره خيانة للطبقة العاملة،وأن تمييز اليهود لأنفسهم عن غيرهم هو دعوة عنصرية لا تخدم التحرر الإنساني.ومما يلفت الإنتباه أن معظم الشخصيات السياسية التي تسلمت النظام السياسي الإسرائيلي،منذ نشأتها كانت أقرب إلى العلمانية دون أن تناقض الدعوة اليهودية كإطار لجذب اليهود من العالم.خاصة وأن وعد بلفور نص على إعطاء وطن للشعب اليهودي وليس على إقامة دولة يهودية،حيث أن الأوروبيين وتحت العنوان الإنساني لحماية اليهود في أوروبا،كانوا يعملون على(التخلص الرحيم)من اليهود الذين يشكلون عبئا" على المجتمعات التي يعيشون فيها نتيجة سلوكياتهم الإقتصادية والسياسية. بالإضافة إلى نظرتهم العدائية تجاه الآخرين.وفي بدايات التأسيس للكيان الإسرائيلي فقد اعتمدت الصهيونية على نظرية الأرض ولم تعتمد على(المعبد والكنيس)حيث تم إستخدام العمال الزراعيين(المهاجر و الأرض)لإقامة رابط معنوي ومادي بينهما وأسست منظمات الشبيبة الزراعية ومنها شومير تزعير(الحارس الفتي)ومنظمة طلائع الناحال وقد بدأت النزعة الدينية بالظهور في الخطاب السياسي الصهيوني بعد حرب1967وإختلال التوازن الديمقراطي لصالح العرب حيث أن عدد سكان العرب الفلسطينين داخل الخط الأخضر والضفة وقطاع غزة تجاوز الثلاثة ملايين نسمة بينما عدد سكان إسرائيل ما يقارب السبعة ملايين.وبما أن النمو السكاني للعرب الفلسطيني أعلى من النمو السكاني الإسرائيلي وبسبب الهجرة المعاكسة لليهود باتجاه الخارج واضمحلال بؤر الهجرة اليهودية إلى فلسطين المحتلة،مما زاد الخوف الإسرائيلي من إنقلاب الميزان السكاني لصالح العرب خلال العقود المقبلة،ومما زاد في الرعب الإسرائيلي هو مطلب عودة اللاجئين الذين تجاوز عددهم في الستينات الأربعة ملايين فلسطيني،فإذا ما عاد نصف هؤلاء اللاجئين إلى وطنهم سيكون عدد الفلسطينيين الإجمالي ما يقارب الخمسة ملايين فلسطيني لتصبح النسبة5/7 وهذا ما دفع الكيان الصهيوني إلى الفرار من هذه النتيجة والتخلص من الأعداد الفائضة سكانيا" على مرحلتين:
-المرحلـــة الأولـــى:كانت بفعل الإنتفاضة الفلسطينية والتي أدت إلى التخلي عن قطاع غزة والضفة الغربية لصالح السلطة الفلسطينية،حيث كان الهدف الإسرائيلي التخلص من العدد السكاني الكثيف،ومن ضربات الإنتفاضة وما ألحقته بالكيان الصهيوني من خسائر، بالإضافة أنها تمثل حلا مجتزئا" للمطالب الفلسطينية يمكن بعدها دفن القضية وأنهائها.
-المرحلـــة الثانيـــة:كانت برفع شعار(الدولة اليهودية)التي توفر للكيان الصهيوني عدة أهداف في لحظة واحدة حيث يتخلص من الجانب السكاني العربي داخل الخط الأخضر وشطب حق العودة للفلسطينيين.
-المرحلـــة الثالثـــة: إقامة حاجز عقائدي لتحصين الكيان الغاصب بعنوان( الدولة الدينية اليهودية)التي تستطيع فرض أنظمتها الخاصة إجتماعيا" وسياسيا" وإقتصاديا" مما يمنع أي تسرب سكاني وعلى الأقل يلغي فعاليته السياسية.
وأحد أهداف طرح الدولة اليهودية وتهجير ما تبقى من الفلسطينيين ومنع اللاجئين من العودة وتوطينهم في بعض البلاد العربية المقيمين فيها أو دول جديدة كالعراق بحيث أن هذا المشروع يحقق إعادة بناء المنظومة الإجتماعية والطوائفية لثلاث بلاد عربية تتمايز بدورها الجيوسياسي وهي لبنان والعراق والأردن،وقد وردت بعض المعلومات في بعض محاضر إجتماعات العقبة بين الفلسطينيين والإسرائيليين حيث رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي شارون التنازل عن أي شبر من إسرائيل قائلا":(لم يخلق في إسرائيل من يتنازل عن أي شبر من أرض إسرائيل)وأوضح أنه أرسل وزير السياحة إلى الكونغرس الأميركي لإبلاغه أن الحل الذي تقبله إسرائيل هو أن يتوجه عرب إسرائيل إلى الأردن وسكان الضفة وقطاع غزة إلى العراق وإعطائهم الجنسية العراقية للإسهام في عملية لتحقيق التوازن بين الشيعة والسنة.
وأن التوطين في لبنان فإنه يحقق التوازن الديمقراطي بين السنة والشيعة حتى لو كان على حساب المسيحيين اللبنانيين،الذين سيكون مصيرهم مشابها" لمصير المسيحيين في العراق وفلسطين.وفي تعديل طارئ على هذا المشروع قامت حرب إسرائيل الثانية في تموز2006 بهدف معلن هو القضاء على حزب الله والتخلص من الخطر العسكري الذي يشكله،بينما الحقيقة كانت أن يتم تهجير الشيعة نهائيا" من لبنان إلى جنوب العراق أو على الأقل إبعادهم عن الحدود الفلسطينية ودفعهم إلى الداخل اللبناني أو البقاع،وإقامة منطقة عازلة في الجنوب شبيهة بالمنطقة العازلة في الجولان السوري مع فارق أن تبقى المخيمات الفلسطينية في الجنوب ولتمتد وتلقائيا" لتعبئة الفراغ السكاني توطنه للتوطين.لكن الهزيمة الإسرائيلية في الميدان ، أدت إلى هزيمة لمشروع الشرق الأوسط الجديد الذي نادت به غونداليزا رايس والذي كان سيحتفل بمولوده الجديد وهو(الدولة اليهودية)كمقدمة لولادة المذهبية والطائفية والقومية وإختفاء العالم العربي عن الخارطة السياسية بعد إختفاء الوجود الفاعل(للأمة العربية)سواء على المستوى النظري أو المؤسسات الجامعة والمحتلة لها،لذا سارعت الإدارة الأميركية إلى إنقاذ ولادة الدولة اليهودية بشهادة ميلاد عربية في(انابوليس)قبل إعلان الموت السريري لمشروع الشرق الأوسط الأميركي،وقبل إنكماش الأمبراطورية الأميركية مع أقوال نجوم المحافظين الجدد في أميركا وسقوطهم الواحد تلو الآخر،تاركين قائد مسيرتهم الرئيس بوش يترسخ وحيدا" تحت الضربات الإقتصادية والعسكرية بإنتظار نهايته المحتومة مهزوما" مع إنتهاء ولايته آواخر العام 2008.
فهل يسارع العرب إلى تجميع ما تبقى من وحدتهم والتحصن بقوى الممانعة أنظمة أنظمة أو حركات تحرر،للحفاظ على دولهم أولا"،والحفاظ على فلسطين القضية والوطن والشعب والمقدسات خاصة وأن الكنيست الإسرائيلي قد صادق بالقراءة الأولى على مشروع قرار يخرج مدينته القدس من دائرة المفاوضات كخطوة لاحقة لإعلان(الدولة اليهودية)التي ستتخذ من القدس عاصمة أبدية لها،ويكون(هيكل سليمان)المزعوم المقر المقدس(للدولة اليهودية المقدسة)لشعب الله المختار.أم أن العرب سيجدون في إنشقائهم الآخرين عربا" كانوا أم مسلمين أعداء مفترضين.يقاتلوهم ويحشدوا ضدهم،حتى يصبح وهم الخطر النووي الإيراني أشد خطرا" وتهديدا" من الواقع النووي الإسرائيلي في ديمونة،ويصبح الدعاء للمجاهدين إثما" يحاسب عليه بعض المؤمنين الذين يخافون خسارة جنة الآخرة مع أنهم لم يربحوا حتى فيه أمريكا.