تزاحمت الأسئلة والتحليلات حول نتائج الإنتخابات البلدية في تركيا والتي خسرها حزب العدالة والتنمية بزعامة الرئيس التركي أردوغان، خصوصاً في المدن الرئيسية ذات الرمزية السياسية او موقعها في الجغرافيا السكانية لتركيا، حيث كانت الخسارة الأكثر وضوحاً في اسطنبول التي يشكل عدد سكانها (16 مليون نسمة) ربع سكان تركيا بينما لا يتجاوز عدد سكان العاصمة (انقرة) الستة ملايين نسمة وكذلك عدد البلديات الإجمالية التي فاز بها حزب العدالة والتنمية على صعيد تركيا والتي بلغت بحدود 56% من مجموع البلديات، مما يوشر إلى انحدار في الخط البياني لحزب العدالة والتنمية مقابل صعود التيارات المعارضة بما يصل للتوازن بين الموالاة والمعارضة. مع ما يتمتع به حزب العدالة للسلطة بصفته حاكماً وما توفره له السلطة من ربح معنوي ومادي والا لكانت الأرجحية والغلبة للمعارضة التي استطاعت الفوز بالرغم من ضغوط وحصار السلطة.
والسؤال المطروح ..ما هي اسباب تراجع أردوغان وضعفه في الداخل التركي؟
ان ما قام به اردوغان من ممارسات قمعية واحتكار للسلطة وسجن المعارضين قد فرض على المعارضة المتعددة الهوية والأهداف تنسيقا غير مباشر وساهم في تغيير المزاج العام للشعب التركي الذي بدأ يعبر عن رفضه للقمع والحصار وتقييد الحريات ضد ديكتاتورية حزب العدالة الذي مارس (سلطة الخليفة) او الأمبراطور برداء إسلامي – علماني تمثل نموذجاً منهجياً للإسلام المعاصر فلا هو إسلام كامل ولا هو علمانية كاملة بل هو (الإسلام - العلماني)( Secular Islam).
لقد جمع تقاطع المصالح والعدو المشترك (أردوغان) بين جماعة "غولين" وبين صقور العلمانية التركية، خصوصاً في الجيش الذين رأوا في مسرحية الإنقلاب إهانة علنية لهم في الشوارع وفي الأحكام القاسية، بالإضافة إلى التنافرالمذهبي والقومي بين الأتراك (سنة – علويين – اكراد) مضافاً لهم تأثير المعارضين السوريين والمهاجرين التكفيريين على الداخل التركي على المستوى الإجتماعي والإقتصادي، مما أدى إلى تكامل هذه المعطيات جميعها بمواجهة الصعود الإستثنائي لحزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان.
أما الأسباب الخارجية فترجع إلى فشل أردوغان بمهمته في "الربيع العربي" عبر منظومة الأخوان المسلمين التي فشلت بالإحتفاظ بالسلطة في مصر بشكل سريع وفشلت تركيا في اسقاط سوريا مع كل التدخل المباشر وغير المشروع وغير الأخلاقي على مدى سبع سنوات ولا زالت، وكذلك فشلها في العراق وبالتالي فشل "أردوغان" في تنفيذ تعهداته للمشروع "الأميركي - الإسرائيلي" المشترك في إسقاط العالم العربي وتقسيمه ووضع اليد عليه واسترجاع الحكم العثماني على العالم العربي بعد غياب دام حوالي المائة عام والذي انتهى بعد الحرب العالمية الأولى والذي استمر لأكثر من أربعماية عام.
إن التجربة السياسية تاريخياً تؤكد بأن انتصارالحاكم الذي يخوض الحرب خارج حدوده تؤمن له حكم بلده بشكل مريح، أما هزيمته فسترتد إنفجاراً وانقلاباً عليه في الداخل سواء بإرادة ذاتية شعبية تحاكمه على مغامراته او عقاباً من الجهة التي كلفته بالحرب نيابه عنها وفي تجربة "أردوغان" فإن الإدارة الأميركية التي كلفته بإدارة "الربيع العربي الدموي" بالوكالة عنها ستعاقبه لأنه فشل في مهمته ولا بد من (طبعة سياسية) جديدة تكمل المشروع الأميركي، كما حصل في قطر واستبدال "الأمير- الأب" بإبنه او كما يجري في السعودية استبدال الأب بإبنه أيضاً !
إن هزيمة أردوغان لا تعني سقوطه غداً، لكنها ستؤسس لتداعيات مفصلية على سوريا وما تبقى من تكفيريين في إدلب، لأن أردوغان سيتفرغ لمعالجة ضعفه وفشله داخلياً، مما سيشغله عن بعض الملفات الحساسة او تدفعه للمقايضة بسعر أقل مما كان يطلبه في استانا وفي الميدان السوري...
هل سيسقط أردوغان كما تساقط اعداء ..الرئيس الأسد ... أم سينقلب على النتائج ولا يعترف بها ؟