السعودية ومصر صراع المرجعيات
د.نسيب حطيط
عاشت العلاقات السعودية – المصرية مراحل متعددة ،كانت في أغلبيتها علاقات صراع وتوتر وفي أفضل الحالات كانت في دائرة المهادنة والمجاملة ولم ترتق الى مستوى التحالف العميق والإستراتيجي بسبب إختلاف منظومتي الحكم والفكر الديني والتفاوت الطبقي بين البلدين وفق النظرة السعودية (الغني والفقير) ويمكن إستعراض هذه العلاقات وفق المحطات التالية :
- إن أول تماس بين الدولة السعودية الأولى والدولة المصرية كانت في عهد الدولة العثمانية وحكم محمد علي باشا في مصر وكانت علاقة (حرب) ومرحلة دموية أنتهت بإلقاء القبض على زعيم الدولة السعودية عبد الله بن سعود وزعماء الوهابية وسوقهم الى تركيا حيث أعدموا وقطعت رؤوسهم وذلك عام 1818 بواسطة الحملة المصرية ضد الوهابية السعودية بقيادة ابراهيم باشا ووصوله الى الدرعية عاصمة الوهابية – السعودية ومنطلق الدعوة الوهابية ؟
- المحطة الدامية الثانية بين مصر والسعودية كانت في حرب اليمن عام 1962 لدعم الثورة ضد حكم الإمام وكانت السعودية وبريطانيا في الجبهة المضادة للثورة التي يدعمها الرئيس جمال عبد الناصر وانتهت هذه الحرب بعد إستنزاف الجيش المصري لتأتي نكسة حرب حزيران 1967 وكانت هذه ذروة الصراع بين ما أتفق على تسميته الصراع بين الرجعية العربية (بقيادة السعودية) وبين الحركة التقدمية والثورية العربية) .
- المحطة الثالثة الخلاف العقدي بين الأزهر الشريف المرجعية المركزية العالمية لأهل السنة والجماعة والذي تعرض للإلغاء والتهميش ومصادرة دوره من قبل السعودية لصالح المذهب الوهابي رائد الحركات السلفية التكفيرية وأستطاعت السعودية الإنتصار على الأزهر عالميا" وصولا الى عقر داره المصري بواسطة المال السعودي وتسهيل الدول وأجهزة المخابرات الغربية في تأسيس المراكز الإسلامية والمساجد تحت رعاية الوهابية السعودية لتثبيتها في كرسي الزعامة للعالم الإسلامي .
إن هذه العلاقات التاريخية المأزومة بين مصر والسعودية كرّست منظومة الصراع على الدور "المرجعي" بين الدولتين على مستوى زعامة العالم العربي من جهة وعلى الإحتفاظ بالمرجعية الدينية للعالم الإسلامي (السني) والتي تصارع السعودية لإنتزاعه من مصر وضمه الى قائمة ممتلكاتها عبرالإشراف والتحكم بالمقدسات الإسلامية (مكة والمدينة ) لتثبيت السعودية في موقع "فاتيكان إسلامي" مدجج بالأسلحة والتكفير والمال .
إن ما يستفز الشعب المصري ونظامه الحاكم هي النظرة الفوقية التي تتعامل بها السعودية مع مصر نتيجة الأزمة الإقتصادية ، فتحاول شراء جيشها للقتال باليمن نيابة عنها وشراء الموقف السياسي وكذلك شراء جزيرتي "صنافر وتيران" كمرحلة أولى ستتبعها صفقات جديدة لمرتكزات الإقتصاد المصري وبالتالي ترسيخ علاقة سياسية و إقتصادية ترتكز على منظومة (السيد والعبد) في إعادة تاريخ "الرقيق" السياسي على مستوى الدول وليس على مستوى الأفراد !
تحاول السعودية تثبيت زعامتها على العالم العربي بداية ثم زعامة العالم الإسلامي على وسيلتي (المال والتكفير) حيث تفرض مواقفها على الدول العربية الفقيرة بالترغيب المالي والترهيب الاقتصادي وشراء الإعلام الغربي والعربي وكذلك الشخصيات والأحزاب والجماعات السياسية ،أما مع الدول القوية والمحصنة (سوريا العراق واليمن ومصر ...) فإنها تضيف الى منظومة المال الوسائل العسكرية والأمنية والتخريبية عبر الجماعات التكفيرية بحيث تؤسس لكل بلد جماعة تكفيرية مسلحة، ففي مصر انصار بيت المقدس وفي سوريا داعش والنصرة وكل اخواتهما في العراق الزرقاوي ثم داعش وفي تونس انصار الشريعة وفي نيجيريا بوكو حرام ...
مصر والسعودية تاريخ من الصراع المستمر على الدور والمرجعية والأرجحية فيه لصالح مصر، بسبب تفاوت عناصر القوة والتأثير ماعدا المال السعودي الذي سينتهي مع إنتهاء عصر النفط التي تحاول السعودية التعويض عنه بإحتلال اليمن !