السودان من التقسيم إلى الفوضى.
د.نسيب حطيط
السودان بلد الحروب الأهلية التي لاتنتهي ،فقد بدأت الحرب الحرب الأهلية السودانية الأولى قبيل اعلان الاستقلال في العام 1956 واستمرت حتى العام 1972 وبدأت الحرب لأهلية السودانية الثانية في العام 1983، وانتهت العام2005 بتقسيم جمهورية السودان وولادة دولة جنوب السودان(المسيحية)، وتعتبرالحرب الأهلية السودانية إحدى أطول وأعنف الحروب في القرن وراح ضحيتها ما يقارب 1.9 مليون من المدنيين، ونزوح أكثر من 4 ملايين منذ بدء الحرب وتغيير الديموغرافيا السودانية ، ويعد عدد الضحايا المدنيين لهذه الحرب أحد أعلى النسب في أي حرب منذ الحرب العالمية الثانية وتم اقتسام السلطة والثروة بين حكومة رئيس السودان عمر البشير وبين قائد قوات الحركة الشعبية لتحرير السودان جون قرنق..
يتعرض السودان لعدوان أميركي – صهيوني متعدد الأساليب ذو يهدف لتقسيمه وتفتيتته ، للسيطرة عليه ونهب ثرواته من النفط إلى نهر النيل والإمساك بخناق مصر عبر التحكم بمياه النيل شريان الحياة المصرية، وبين الحصار والعقوبات والنزاعات المسلحة وتعثر الإدارة الحاكمة يتعرض الشعب السوداني للحصار والفقر والتجويع وعدم الإستفادة من ثرواته الطبيعية وتشتت السودان بين شمال وجنوب وقبائل وطوائف ونظام حاكم ومعارضة مشتتة ..
لقد ولدت دولة جنوب السودان (الغنية بالنفط) من رحم المشروع الأميركي – الصهيوني بعد حرب اهلية منذ العام 1983وبعد تآمر العرب الذين رحبوا بتقسيم السودان قبل ما سمي "بالربيع العربي" أو "التقسيم العربي" والثورات المصادرة أو المشبوهة فرحبت جامعة الدول العربية بتقسيم السودان وتابعت بالموافقة على تدمير ليبيا وسوريا!!
يطالب الشمال ودرافور بالإستقلال أو الحكم الذاتي أيضاً كما حصل في الجنوب وفي ذروة الفشل الأميركي على مستوى الشرق الأوسط الجديد خاصة على الساحة السورية ،يبدو أن المخطط إتجه نحو السودان مجدداً من نافذة المطالب المعيشية المحقة للشعب وغياب التعددية السياسية وإنقسام الحركة الإسلامية (البشير - الترابي - الصادق المهدي....)
تم إشعال"القلب السوداني" العاصمة بالمظاهرات وفق السيناريو المكرر مع كل الثورات العربية من فبركات إعلامية وتضخيم لأعداد القتلى بالإضافة إلى العناصر المشبوهة التي تقتل بإسم قوى الأمن أو تخترقها لتأمين الدماء اللازمة للإثارة الإعلامية، وزيادة التوتر للتمكن من إحداث الفوضى وإسقاط النظام وعدم قيام نظام مركزي بديل يتحكم بالسودان كما حصل في ليبيا أو تونس وذلك لتحقيق الإهداف التالية:
- استكمال تقسيم السودان وفق التوزيع الإثني والطائفي والقبلي وإنشاء دويلات متناحرة تحتاج للحماية الخارجية ولا تستطيع التحكم بثرواتها الطبيعية ومصادرة دورها السياسي.
- حصار النظام المصري الجديد والضغط عليه سواء عبر مياه النيل أو إستخدام السودان لإعادة إنطلاق الإخوان المسلمين بإتجاه مصر والشمال الأفريقي.
- إغلاق نافذة تهريب السلاح من الأراضي السودانية إلى قطاع غزة وحركات المقاومة ولتجفيف المقاومة على الأراضي الفلسطينية بعد ما سمي بالربيع العربي الذي أغرق حركة حماس في "رمال" الإخوان المسلمين وقطر وتركيا وجعلها خارج دائرة العمل المقاوم.
- إلغاء ومصادرة دور "العرب الأفارقة" وحصر الهوية العربية ضمن النطاق الأسيوي حيث تسعى الإدارة الأميركية لتأسيس كيان إقليمي (أفريقي –عربي) يشابه مجلس التعاون الخليجي (خليجي – عربي) بحيث يتم تقزيم جامعة الدول العربية بعد خروج الأفارقة والخليجيين منها وفي حال بقائها تصبح إئتلافا لهذه التجمعات (الأفريقي-الخليجي- الشامي) ويتم إلغاء ما سمي بالعالم العربي القديم لصالح الشرق الأوسط الجديد.
السودان على مشارف الضياع والتفتت نتيجة المؤامرة الأميركية – الإسرائيلية ويساعد في ذلك عدم قدرة النظام والقوى السياسية السودانية المتناحرة على إنقاذ السودان ككيان سياسي موحد والحفاظ على هويته العربية والإسلامية ودوره في المقاومة ومناصرة القضية الفلسطينية.
إننا نناشد الأشقاء في السودان للمبادرة لإنقاذ السودان والتضحية من أجله حتى لا يتم إحراقه بأيدي أبنائه بالتنافس والصراع السياسي وعلى القوى الإسلامية الرئيسية الحزب الوطني وحزب الأمة والحركات الإسلامية بقيادة الرئيس البشير وحسن الترابي والصادق المهدي مع القوى القومية والوطنية المسارعة لعقد حوار وطني طارئ لتحقيق بعض الإصلاحات ومناقشة خطة إنقاذ السودان وتأمين الشراكة السياسية في قيادة الحكم والتعددية السياسية بالإضافة للخطط الإقتصادية خاصة الزراعية التي تستطيع إعادة تعويم السودان إقتصادياً وتأمين مستوى معيشي لشعبه يستوعب الإضطرابات والمظاهرات.
-إن التباطؤ في عملية الإنقاذ ستؤدي إلى إحراق السودان وتفتيته ولن يجد المتصارعون والمتنافسون شيئاً ليحكموه وسيدمرون ما بقي من السودان على قلته وندرته.
- الإعصار الناري يعصف بالسودان استكمالاً للحريق الفوضوي والعبثي في الساحات العربية الإسلامية التي تتآكل وتتصحر ميدانياً وأصيبت منظومتها الثقافية بالإنحراف الفكري والمنهجي عبر الفكر التكفيري المنحرف الذي يطعن الإسلام ويدمره من الداخل.
أفريقيا هي الضحية المقبلة من كينيا إلى مالي إلى السودان بعدما توجهت إليها الأنظار ونهبت ثرواتها من جديد ،وكما سرقت أفريقيا وظلم اهلها مواطنوها الذين عاملهم الغرب الأبيضالمستعمر قوافل تجارية من العبيد الذين تم شراؤهم في سوق النخاسة ، فها هم المستعمرين يعودون مرة أخرى ليسرقوا الثروات كما سرقوا البشر.
حمى الله السودان من الفوضى والحرائق مع دعاؤنا بأن يستيقظ السودانيون من الوطنيين والإسلامييين لإنقاذ بلدهم قبل فوات الآوان.