الشعب اليمني بين الحرية والتكفيريين وأميركا
د.نسيب حطيط
يعيش الشعب اليمني مأساته المستمرة منذ عقود ويكتب تاريخه بالحروب الداخلية والخارجية من الوحدة إلى الإنفصال إلى الوحدة مجدداً ،لكنها الوحدة في الشكل والقسمة في المضمون ،ينهش اليمن بأنياب الفقر والجوع ومن موقعه الجيو سياسي الذي يتحكم بخليج عدن الإستراتيجي بوابة البحر الأحمر وينوء اليمن تحت عبء المطالب السعودية التاريخية ،فبعد (الإستيلاء – المقايضة ) بين القبائل اليمنية وأل سعود على أراض يمنية من حدود اليمن إلى مشارف الطائف مقابل تسهيلات العمل وبعض الإمتيازات لليمن إلى محاولة وضع اليد على اليمن إرضاءً للطموح السعودي بقيام "الخلافة السعودية" الحاضنة للفكر الوهابي والذي تستعمله السلطة السعودية (كجمل ديني )في الصحراء العربية والإسلامية
ابتلي اليمن بالتمييز الطائفي ضد االشيعة الزيديين ثم ابتلي بالعصبية بين الشمال والجنوب ثم ابتلي بالصراع بين التكفيريين (القاعدة) والدولة التي تمثل حليفاً للسعودية التي انقلبت عليها القاعدة بعدما رعتها، فاختلط الحابل بالنابل اليمني وعاش اليمن على نار الحروب بين حكومة علي عبدالله صالح والحوثيين في الشمال حتى الحرب السادسة وأخيراً غرق اليمن بما يسمى بالربيع العربي ولا يزال يصارع البقاء وسقط الرئيس ولم يسقط النظام،استقل اليمن ولم تسقط الوصاية السعودية ... تظاهر اليمنيون ولم تتغير الأحوال إلا إلى الأسوأ وتنامت "القاعدة" وتوسعت في اليمن... الدولة تتلاشى والفتنة تنمو وتتوالد وشبح التقسيم بالفيدرالية أو الكونفدرالية يقترب من قناعة الناس للتخلص من جحيم المعارك التي لا تنتهي في اليمن وفراراً إلى الأمن والإستقرار الموهوم.
والسؤال... هل أن الصراع في اليمن هو صراع داخلي أو صراع بين قوى إقليمية (إيران – السعودية) ؟
هل تدفع أميركا بعض القوى والنظام إلى السلبية وعدم تلبية المطالب الشعبية لزيادة التوتر وصولاً إلى التقسيم أو وضع اليد على اليمن ؟
هل تستعمل أميركا اليمن كفزاعة إضافية للعائلة السعودية تضاف إلى فزاعة قطر وفزاعة التكفير داخل المملكة حتى تسلم العائلة المالكة كل أوراقها وأموالها وثروات السعودية إلى الأميركيين كملجأ آمن وحارس قادر على حماية المملكة؟
ولا بد من التنبه أن الصراع اليمني – اليمني ليس صراعاً مذهبياً كما يحاول البعض إظهاره فالتحرك الحوثي لا يقتصر على (أنصار الله) وإنما على أحزاب قومية وناصرية بالإضافة إلى العديد من القبائل المؤيدة وأكثرية الحراك الجنوبي ومطالب (أنصار الله) مطالب تتعلق بالشعب اليمني عامة سواء بالنسبة لإلغاء "الجرعة"زيادة أسعار النفط أو مكافحة الفساد أو وحدة اليمن وتشكيل حكومة وحدة وطنية ومقاتلة "القاعدة" التكفيرية وإذا كان الحوثيون في طليعة القوى الشعبية المنتفضة لقدرتهم على حماية الحراك الشعبي من القمع السلطوي وفق توازن القوى الذي فرضه الحوثيون مع السلطة و"القاعدة" أو بعض القبائل المؤيدة للسعودية والنظام (آل الأحمر).
اليمن ضحية من ضحايا ما يسمى بالربيع العربي والخوف أن ينزلق كما إنزلقت ليبيا إلى آتون الصراع الطويل الأمد وأن تتجذر معالم الشقاق والخلاف والثأر بين مكوناته القبلية والجهوية والمذهبية فيكون من نتاجها تدمير اليمن وإضعاف مكوناته السياسية والشعبية لتسهيل عملية السيطرة عليه ودفع اليمن للإستنجاد بالعدو (أميركا) الذي يشكل اساس بلاء الشعوب والمنطقة ،ليصبح المنقذ والمخلص كما يحصل الآن في العراق والمنطقة.
اليمن نموذج من نماذج المأساة التي تعيشها الأمة التي يتكالب عليها الكلاب الغزاة والذئاب التكفيرية الضالة كالقصعة التي يتكالب عليها الأكلة من كل مكان،وإن لم يتدارك علماء الأمة ومثقفوها لوقف هذا الانتحار الذاتي، فإن المستقبل لايبشر بالخير وستتداعى الكيانات والدول والمقدسات ..لكن الظاهر أن التفاهم السعودي -الإيراني بدأ يعطي ثماره السياسية والأمنية في العراق والتنازلات المتبادلة وكذلك في اليمن عبر تلبية مطالب الحوثيين بتشكيل حكومة الكفاءات والغاء الجرعة ويمكن ان يعرج على البحرين بإجراء الانتخابات بمشاركة المعارضة ..بإنتظار وصول قطار التفاهم إلى لبنان وسوريا !