يمر العرب في أصعب مرحلة سياسية تستهدف وجودهم السياسي على مستوى الأمة وعلى مستوى البلاد المستقلة حيث يواجهون مصير الإنقياد والتبعية على ثلاث مستويات(الفرد...الدولة...الأمة.)فعلى مستوى الفرد يتعرض الإنسان العربي لحالة مسح لذاكرته التاريخية والثقافية والعقائدية لتحويله إلى فرد تابع دون جدال لايملك حق تقرير مصيره فيصادر فكرياٌ وثقافيا ٌليغرق في العولمة الاقتصادية وعلمية والسياسية بدأت تنعكس على مظهره الخارجي ومفرداته وسلوكياته المتنوعة ليقلد بالشكل ما يقترفضه إنسجاماٌ مع الآخر(الغربي)أو إنكارا لإنتمائه ظناٌ بأنه الطريق لكسر الحصار المفروض عليه خارجياٌ وفراراٌ من القيود الداخلية التي تقزمه وتصنعه كآلة بشرية بما يخدم النظام عليها أن تقنع بما يعطى لها لتأمين الحياة دون أن تتدخل بالسياسة أو التفكير وتمارس نشاطها الديني الجاف المحصور بطقوس بين المخلوق والخالق دون انعكاس للدين على السلوك الفردي والجماعي مما صنع إنساناٌ عربياٌ على نوعين:إما مستسلماٌ للواقع المفروض طلباٌ للسلامة أو بالتالي الرضى بالإلغاء من حركة المجتمع العامة..أومتمردا على الواقع فيتحول إلى سجين في المعتقلات أو مطارداٌ كإرهابي أو خارجاٌ على القانون مهاجراٌ كلاجىء سياسي من بلاد الله الواسعة . ويبدأ تتلاشى هوية الدولة ويتحول النظام إلى مجلس إدارة سياسي أو عسكري لتنظيم عملية القيادة والضبط العام لما يسمى{الشعب}المفرغ من طاقاته والذي يحتفظ بدوره الذي يصفق للزعيم الدائرة الأولى على صعيد الفرد والمجتمع يرى النظام نفسه في مرحلة الصراع الدائم مع شعبه أو الإنشغال بضبطه وتصبح قاعده إستقراره معرضه للإهتزاز الدائم وعدم الحماية الداخلية فيصبح لقمة سائغة بيد الدول العظمى التي تعرض خدمات الحماية السياسية والأمنية والمساعدات الإقتصادية مقابل مصادرة سياساتها الخارجية والعمل الأمني المقابل بما يعني التبعية الكاملة والانقياد الأعمى للخارج بحيث يصبح الحاكم وكيلاٌ سياسياٌ عن الدولة التي يحكم لصالح الدولة الراعية مقابل مكاسب شخصية له ولعائلته وبطانته.هذا الواقع السياسي للعرب والذي تم التفلت منه بشكل ما في الفترة ما بين الحرب العالمية الثانية والسبعينات حيث حصلت بعض الإنقلابات الوطنية أو الثورات تعرض لإنتكاسات سياسية وجيو سياسية بإحتلال فلسطين عام 1948أو بإنتكاسة حزيران عام 1967وحاول العرب النهوض من هذه النكسات عبر حرب تشرين عام 1973 بالتعاون مع الإتحاد السوفياتي السابق حيث نجحوا إلى حد ما في إعادة الحياة لقرارهم السياسي والإقتصادي(النفط)وإدارة التكامل بين الإقتصاد والسياسة لكن ما لبثوا أن دخلوا في سبات عميق بعد الإنكفاء السياسي لمصر بعد إتفاقية كامب دايفيد مع الكيان الصهيوني.وتجاوز هذا السبات الثلاثة عقود حتى الآن،وبدأ إنفراط عقد الموقف العربي الموحد من خلال تفويض العمل العربي المشترك وإلغاء الجوامع المشتركة بحيث تم تهميش الجامعة العربية ودورها وإستبدالها بكيانات إقليمية عربية (مجلس التعاون الخليجي...)والتحالفات الثنائية أو الرباعية ومن ثم تكوين ثلاثية سياسية عربية(مصر- السعودية - سوريا...)في القرارات المصيرية الكبرى كعمود فقري يجمع الشتات العربي، وبدأ عقد الدول العربية بالإنفراط واحداٌ تلو الآخر،العراق يجتاح الكويت، يهدد السعودية ويستفز سوريا،الأردن توقع إتفاقات السلام مع إسرائيل توتر مع سوريا حول المياه،ليبيا تحت الحصار بعد حادثة لوكربي،الجزائر وإلغاء الإنتخابات النيابية بعد فوز جبهة الإنقاذ والحرب الأهلية التي حصلت وجعلت الجزائر على هامش الفعل السياسي العربي والعالمي وإلغاء دورها الجامع أو المساند، حصار العراق وبعده الإجتياح الإسرائيلي للبنان، وإحتلاله وعمليات الإغتيال،موريتانيا والعلاقات مع إسرائيل،حروب السودان الداخلية التي بدأت ما بين النظام وحركة حسن الترابي الإسلامية لإضعاف مركزية الحكم قبل إعطاء الزخم لحركة الإنفصال في الجنوب السوداني، ولحركة التمرد في الشمال .وبالتالي دخل العالم العربي القرن الواحد والعشرين أشلاء سياسية متناحرة إما بين بعضه البعض كدول أو داخلياٌ كأنظمة وشعوب’وبالتالي اسقط لفظ العالم العربي كواقع سياسي وجغرافي وجيو سياسي وتحول الى(الشرق الأوسط)لتكون إسرائيل جزء من هذه المنظومة السياسية دون غربة مع العالم العربي{السابق}ومن ثم تم تطوير الشرق الأوسط إلى الجديد وفق الرؤيا الأميركية، بإضافة الوجود الأميركي إقليمياٌ في أفغانستان والعراق والكويت وقطر..الأردن وبقية البلاد العربية أعطى هذا الشرق الأوسط إسماٌ جديداٌ هو(الشرق الأوسط الجديد)الذي يرتكز على قواعد جديدة تحدد هويته وهي:
1-شطب الهوية العربية الحضارية والثقافية والتاريخية.
2-إلغاء السلاح الإقتصادي{الأساس}في العالم العربي وهو النفط إما عن طريق المصادرة المباشرة{الإحتلال}أو التحكم بالأسعار{20 دولاراٌ أو استرجاع عائدات النفط بطرق الخداع كما حصل في قضية الأسهم في السعودية والخليج عام 2006حيث بلغت خسائر المملكة العربية السعودية243مليار دولار بينما بلغت عائدات النفط لعام 2006ما يقارب 170مليار دولار وكذلك فإن خسائر دول الخليج في البورصة عام 2006بلغت423مليار دولار أي ما يوازي مرة ونصف مبيعات النفط عام 2006للدول الخليجية .
3- إحداث الثقوب السياسية والأمنية في العالم العربي على مستوين:
أ- على مستوى الصراع بين الأنظمة والحركات الأصولية{القاعدة}.
ب- الإحتلال المباشر أو التدخل الأمني المباشر.إسرائيل في فلسطين والتهديد والتدخل في دول الطوق{لبنان-سوريا -الأردن- مصر}أثيوبيا(الصومال)الوجود الأميركي(العراق -الكويت-قطر-البحرين)السودان(حركة الجنوب-والشمال..)الجزائر الحرب مع الجماعات الإسلامية المغرب(الصحراء الغربية)السعودية(القاعدة)مصر(الأخوان المسلمين)وبعدها تحريكا لأقباط بعد شق الكنيسة القبطية لحصار البابا شنودة}المعارض لأي تحرك عدائي ضد النظام أو الإنتماء القومي العربي...
4-مسح الهوية الثقافية والعربية للشعوب وصف الإسلام بالفاشية أو الإرهاب وتفريغه من محتواه الحضاري وإعطائه الوجه الدموي الغير حضاري الذي يعتمد القتل(الذبح)وليس الحوار.
5- تدمير الهوية العربية الجامعة واللغة الواحدة وإظهار الهويات الأمنية والعرقية والطائفية فيصبح العرب(عرباٌ-أكراداٌ-بربراٌ-أمازيخ-مسيحيون-مسلحون-أقباط-سنة-شيعة-علويون متطرفون... معتدلون ..عرب... وعرب أفارقة..)فتصبح الأمة مقسمة إلى أكثر من خمسة عشر جماعة حضارية متناحرة وتتحول من جماعة سياسية مؤثرة إلى جماعة سياسية تابعة ومن جماعة اقتصادية غنية إلى جماعة فقيرة تعيش على المساعدات، وفي هذا يكون العالم العربي على أعتاب صحراء عربية سياسية وإقتصادية وثقافية تنسجم مع الصحراء العربية ورحالها ويصادر الغرب(أميركا)بشكل خاص ما فيها من كنوز(نفط ومواد أولية)وتصادر من الصحراء البشرية ما فيها من كنوز عقلية وفكرية(علماء... بدعون)من خلال فتح أبواب الهجرة إلى الخارج ويتحول هذا العالم العربي{من أمة}تعطي إلى أمة تستجدي لكنها أمة تستجدي بكامل أناقتها تلفها الأوسمة والنياشين وتنقلها السيارات الفخمة وتسكن القصور المزينة لكنها تعطي كل ما تملك وكل ما لا تملك فتبيع الماضي والحاضر وترهن المستقبل بإتفاقيات تصادر القرار والهوية.
فهل يمكن لبعض الواحات المقاومة والممانعة أن تمنع هذا التصحر السياسي وتعيد للصحراء العربية اخضرها الفكري والثقافي أم ستحترق بوهج براميل النفط ويغطينا دخانه الأسود لنغرق في عالم النسيان.