الغوطة المسمار الأميركي في دمشق
نسيب حطيط
منذ سبع سنوات دقّت أميركا مسماراً في قلب دمشق يدعى الغوطة ومخيم اليرموك، علّها تُسقط النظام بالضربة القاضية وترتاح من خوض حرب طويلة على مساحة الجغرافيا السورية، وتختصر الوقت لاغتيال سورية وفق منظومة الثورات السريعة (fast revolutions) كما حدث في مصر وتونس وليبيا، حيث إن الثورات داخل العواصم أسقطت الأنظمة بشكل سريع بما يسمى جراحة المنظار.
لم ينجح الأميركيون وحلفاؤهم بإشعال الثورة داخل العاصمة، بل كان العكس؛ حيث بادر النظام إلى حماية سورية والعاصمة بالمظاهرات الشعبية المؤيدة،ما دفع الأميركيين بالتحالف مع تركيا ودول الخليج لتكليف بعض الفصائل في مخيم اليرموك وبقية المخيمات لتكون نقاط إمداد لـ"الثورة المفترَضة" بالسلاح وقيادتها ميدانياً، والسيطرة على الغوطة من كل الجهات، لحصار العاصمة وعزلها عن لبنان والأردن والساحلالسوري، وفتح الحدود مع العدو "الإسرائيلي" باتجاه الجنوب، حيث تصبح الحدود مع العدو ليس في الجولان المحتل، بل في برزة وجوبر واليرموك.
أسقطت دمشق وحلفاؤها اللبنانيون والإيرانيون وبعض الإخوة العراقيين مؤامرة إسقاط دمشق، ووقفوا وفاء مع سورية، وصمدوا حتى التحق بهم الروس بداية، لتقاطُع المصالح، واستباقاً لنقل التكفيريين إلى روسيا بعد سقوط سورية، وصمدت دمشق لتبقى القلعة التي تحمي سورية كلها، ومن دمشق تمّ الانتصار على الحرب الأميركية العالمية، وبدأ تطهير سورية.
لم يتبقَّ بيد الأميركي سوى الأوراق الثلاث الآتية:
1- الورقة الكردية.
2- الورقة "الإسرائيلية".
3- ورقة الغوطة.
الورقة الكردية حمت الوجود الأميركي في الرقة وغرب الفرات، وأمّنت إعادة تجميع "داعش" تحت عنوان "قسد" وغيرها، حيث تم توزيعهم على "الجيش الحر" وعلى "قسد"، وهذه الورقة قد سقطت، بسبب تضاربها مع المصلحة والأمن التركيَّين،والمخاوف التركية من قيام دولة كردية على حدودها؛ مقدِّمة لقيام دولة كردية في تركيا.
أما الورقة "الإسرائيلية"فسقطت أيضاً بعد إسقاط طائرة "اف 16"، وبعد تقدُّم الجيش السوري والحلفاء باتجاه القنيطرة، ومحاصرة الجماعات التكفيرية في جيب صغير، والقضاء على الحلم "الإسرائيلي" بإقامة شريط حدودي محتل.
وبالنسبة لورقة الضغط المتمثلة بالغوطة، فإن أميركا تحاول أن تعوّض بواسطتها عن كل الخسائر التي مُنيت بها، والعودة إلى المربّع الأول؛إسقاط العاصمة، فإن لم تنجح فعلى الأقل المساومة المباشرة عبر ما تبقّى من جماعات تكفيرية مسلَّحة بعد هزيمة "داعش" وترقُّب هزيمة "النصرة" في إدلب.
تحاول أميركا أن تؤمّن الحماية الدولية، عبر مجلس الأمن، لمسلّحي الغوطة، بعناوين إنسانية، وتأجيل الحسم العسكري الذي اتخذته القيادة السورية لفسح المجال أمام أميركا لتغيير المعادلة وفتح المجال للتدخُّل العسكري الدولي بقرار من مجلس، بعد مسرحيات مفبرَكة، لاستخدام الغازات السامة ضد المدنيين،لأن أميركا لا تستطيع الفوز في سوريةإلا عبر التدخل العسكري بتحالف دولي لإسقاط النظام، بعد اليأس من تمكُّن الجماعات المسلَّحة من ذلك، مع أن هذا الخيار الأميركي غير مضمون النتائج، بسبب قدرة سورية وحلفائها على الرد والصمود والمواجهة المباشرة مع الروس، لأن سقوط سورية هو المقدمة لنقل الحرب إلى روسيا وإسقاطها من الداخل دون أن تدفع أميركا قرشاً واحداًأو تخسر جندياً واحداً؛ كما حصل في أفغانستان إبان الاتحاد السوفياتي.
لقد نجحت سورية وحلفاؤها في مجلس الأمن عبر الموقف الروسي الذي أجهض المشروع الأميركي، ووافقت سورية وروسيا على هدنة الثلاثين يوماً، على أن لا تشمل "داعش" و"النصرة" وملحقاتهما، وبما أن الميدان ليس له حدود مرسومة بين هؤلاء، أكملت سورية معركتها في الغوطة، ولم تنتظر الثلاثين يوماً، لكن السؤال: هل ستصمت أميركا وتبتلع هزيمتها، أم ستعمل على مسرحية الكيماوي وبعض التفجيرات في لبنان وروسيا وإيران،أو تتجه لمخاطرة ضرب القيادة السورية مباشرة لربح الحرب بالضربة القاضية؟