القمة العربية النازحة من الرياض إلى الدمام
د نسيب حطيط
انعقدت القمة العربية النازحة من الرياض إلى الدمام خوفاً من القصف اليمني الذي تنكره السعودية وتعترف به في عملية إعلامية غير ذكية خسرت فيها معنوياً وعسكرياً، فمن لا يستطيع حماية القمة العربية في الرياض لا يستطيعأن يُسقط اليمن.
"قمة القدس"التي لم تعلن موقفها من نقل السفارة الأميركية إلى القدس الشرقية، وكانت قمة الـ50 مليون دولار للأونروا (اللاجئين) مقابل 500 مليار دولار لترامب..
قمة عربية لم تلحظ مجازر "إسرائيل" ضد مسيرات العودة على حدود غزة، بل انهمكت بتأييد العدوان الثلاثي على سورية، وحماية الجماعات التكفيرية ومسرحياتها الكيماوية السخيفة في الغوطة.
قمة عربية لم تستطع أن تجمع شمل العرب.. ولا تقف لتُصلح ما دمره "الربيع" الخليجي - الأميركي في الأمة العربية..
قمة عربية لا ترى تهديداً للأمة المتهالكة والممزقة، والتي تقف على مشارف الانقراض السياسي، وبعدها التصحُّر الاقتصادي.. إلا إيران، وتتذكر الجزرالإماراتية "المباعة" لشاه إيران، وتطالب باستعادتها، لكنها تنسى القدس وفلسطين والجولان وشبعا، وتعترف للمحتل الغاصب بحق الوجود، وتقاطع المصالح والتحالف ضد اليمن وسورية وإيران.
مع كل هذا الأسوَد العربي القاتم، هناك بصيص ضوء، خصوصاًأن هذه القمة لم تذكر المقاومة في لبنان، لا سلباً ولا إيجاباً، وهذا شيء إيجابي، بعدما صنّفت المقاومة بالإرهاب، ودعت إلى حُسن الجوار، فاستبشرنا خيراً لانها تفتح الأبواب لحوار مع الجمهورية الإسلامية، لكننا فوجئنا بالبنود التي ناقضت التوصيات، فأعادت تحميل إيران كل هذا الدمار العربي - خلافاً للواقع - فيبدو أن الدعوة هي للعدو "الإسرائيلي"، وهو المعنيّ "بدول الجوار" وليست إيران!
استضافت المملكة العربية السعودية "القمة العربية" التي لا بد أن تنعقد وفق القانون بالشكل، لكنها في المضمون كانت تستنخ ما قُرّر في قمم سابقة، مع تغيير في أسماء المشاركين وتاريخ الانعقاد، ويبقى الفشل والتشتت عنوان القمة العربية.
لقد ألغى العرب بقيادة "الخليج" أنفسهم، وظهروا كأثرياء سُذّج يوزعون أموالهم على أميركا والغرب، مقابل وعود بحفظ عروشهم وأنظمتهم، ودفعوا معظم ما ينهبون من ثروات شعوبهم، وسيدفعون بشكل يومي حتى تفرغ خزائنهم، ثم يتخلى عنهم أسيادهم.
سؤالنا للقادة العرب: ماذا لو اجتمعتم لحفظ الأمة وحفظ مقدساتها واسترجاع القدس وفلسطين؟
ماذا لو وظّفتم مئات المليارات التي تدفعونها نقداً أو مقابل صفقات سلاح أو حماية وهمية، والتي لم تمنع "نزوحكم" من الرياض إلى الدمام، لتوفروا العيش الكريم لشعوبكم، ثم تساعدون إخوتكم المسلمين في أفريقيا والدول العربية التي تنوء تحت عبء الفقر والجوع؟
ماذا لو تفرّغتم لجمع الشمل وتطهير الإسلام من التكفير بدل أن تنشروا الوهابية وجماعات التكفير، بطلب أميركي، كما صرح ولي العهد السعودي؟
ماذا لو أنفقتم على التعليم والصحة والإنماء ما تصرفونه لإشعال الحروب سعياً وراء زعامة وهمية، فبدل أن تتوسع دائرة الزعامة لكم تصحّرت وانفرط عقد مجلس التعاون الخليجي ومنظمة التعاون الإسلامي وجامعة عربية تجتمع لتذكير العالم بأنها مازالت على قيد الحياة، وإذا اجتمعت لساعات معدودة فإنها توقّع على اغتصاب ليبيا وقصف سورية وحصار إيران والتنازل عن فلسطين وتدمير العراق بناء لطلب أميركي -"إسرائيلي"؟
هل سيستيقظ الحكام العرب قبل أن تنفد أموالهم ويرميهم ترامب كما يرمي العجائز ممن يعملون في مملكة تجارته بعدما يخسرن جمالهن ويكبرن ولا يمكن جني الأرباح من ورائهن؟
ما يزال هناك فسحة من أمل ليعود البعض إلى رشده، ومن يظن أن النار لن تصل إليه فهو واهم، والدليل أن أول الغيث صواريخ الرياض التي إن توسعت فلن تكون هناك مدينة في الخليج تستقبل القمم العربية النازحة.