إن الأنظمة العربية وبضغط وإلحاح أميركي تحاول إنقاذ إسرائيل في لحظة ضعف، أما بتغطية جرائمها ضد الفلسطينيين واللبنانيين وإضفاء المشروعية عليها لتتكامل مع الغطاء الدولي،حتى وصل الأمر بمقاطعة للحكومة الفلسطينية التي كانت بعهده حركة حماس مع أنها نتاج إنتخابات ديمقراطية أشرف عليها الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر.ومرة أخرى يسارع العرب إلى تحميل المقاومة في لبنان مسؤولية الحرب في تموز2006ويحاصرون المقاومة ويمتنعون عن نصرة لبنان طوال أكثر من شهرين لكن صمود اللبنانيين وإيمانهم بقضيتهم وعدالتها،قد هزم المشروع الأميركي الإسرائيلي-وبعض العرب.لكن الإدارة الأميركية و تحت وطأة المأزق العراقي،وتحت ضغط الإنهيار السياسي والعسكري في إسرائيل،الزمت العرب تعديل مبادرتهم للسلام لإعطاء جائزة ترضية -لكنها أساسية- بالنسبة للكيان الصهيوني وهي شطب حق العودة،وكاد التعديل أن يمر لولا وقوف بعض الدول العربية في مواجهته،وصعوبة تمريره خاصة على الساحة اللبنانية.وبعد القمة العربية التي لم يجد فيها الأميركيون أي فائدة عمليةللمطالب الإسرائيلية،بالإضافة إلى خسارتهم بالنقاط بعد وصف الملك عبد الله للوجود الأميركي في العراق(بالإحتلال)فكان لا بد من الإعتذار بتقديم تنازلات جديدة. وتم إعادة الحياة للتحرك العربي(بمحرك سياسي)وعجلات مصرية وأردنية البلدين العربيين اللذين وقعا إتفاقيات سلام مع إسرائيل، ولم يتأخر الملك الأردني عن إعلان الهدف الأساس للمبادرة العربية وهو إلغاء حق العودة وإستبداله بالتعويض على الفلسطينين، والتأسيس لمبادلة(المال مقابل السلام)وليس( الأرض مقابل السلام)وكأن العرب لا يكفيهم ما يملكون من أرصدة مالية صورية في البنوك الغربية والأميركية والتي يخسرونها إما بشراء السلاح الغير مستخدم أو من خلال خسائر البورصة المتكررة في كل بلاد الخليج.
وتنطلق المبادرة العربية(المعدلة)لصالح إسرائيل في نفس اللحظة التي تنطلق فيها المحكمة الدولية(غير المعدلة)في لبنان للإطباق بفكي كماشة على الساحة المقاومة والممانعة حتى الآن في لبنان وسوريا بعد ما فشلت كل المحاولات العسكرية والأمنية والسياسية للإمساك بالإدارة السياسية والأمنية في لبنان لتمرير المشروع الأميركي لأخذ لبنان قاعدة إنطلاق لمشروع الشرق الأوسط الجديد، التي تحاول أميركا بائسة إعادة الحياة له مرة بالدم العراقي المسفوك يومياٌ،ومرة بالدم اللبناني ومرة بالدم الفلسطيني، لكنها عبثا تحاول، وتعود لإقرار التوطين الذي يمثل القنبلة الموقوتة التي تحتفظ فيها أميركا لتفجير الكيان اللبناني من الداخل، ليكون الفلسطيني في لبنان مقتولاٌ وقاتلاٌ،لكنه مقتول أكثر من مرة، فمرة يقتل بسلبه حق العودة إلى وطنه وأرضه وكرامته،ومرة يقتل بأنه يغتصب أرض أشقائه ولو كانت بالظاهر وفق القانون، ومرة أخرى لإستخدامه كذراع عسكرية وأمنية تساهم في الحرب الأهلية المخططة والمفروضة على لبنان لتمزيقه ومعاقبته وللثأر من هذا البلد المقاوم الذي أخرج سابقاٌ المتعددة الجنسيات بعد الإجتياح الإسرائيلي عام1982،وأخرج الإسرائيلين مهزومين في العام2000والعام2006.والعقاب يبدأ بإقرار المحكمة الدولية،ومن ثم التوطين والحرب الأهلية وبعدها اللامركزية الإسم الملطف للفيدرالية،ويصبح لبنان(الولايات المتحدة اللبنانية)بتناحر طوائفه وبقدر التي بنت هويتها الذاتية تربوياٌ وثقافياٌ وإقتصادياٌ وصحياٌ وإعلامياٌ ضمن جغرافيتها اللبنانية،مترافقة مع بناء شخصية تربوية ونفسية عند أبنائها،بضرورة الدفاع عن الحياة ليس مقابل العدو الأساس إسرائيل،بل بمواجهة أعدائها المفترضين شركائها في المواطنية من الطوائف الأخرى.و المؤسف حقاٌ أنه في ذروة السقف الإسرائيلي السياسي والعسكري،وفي ذروة المأزق الأميركي في أفغانستان والعراق يسارع العرب لإعطاء جرعات الحياة والأوكسجين السياسي والإقتصادي لإسرائيل،بدل أن ينتهزوا فرصة إملاء شروطهم عليها، لإستثمار ما حققته المقاومة في لبنان وفلسطين خاصة وأن البندقية المقاومة قد حققت حتى الآن ما عجزت عنه الجيوش العربية ليس عن ضعف,بل لأن القرار السياسي الرسمي للأنظمة يقيد حركتها الميدانية، فتأتي الأنظمة لتدمر ما لم تبنه هي،ولم تحققه في يوم من الأيام،فعلى مسؤولية الأنظمة وفي عهدتها، ضاعت فلسطين والأرض المحتلة، وبعدما كانت المقاومة العربية المتنوعة الأشكال ورأس حريتها في لبنان وفلسطين والآن في العراق، تأمين الأنظمة لتصادر ما تحقق وتحاول القضاء على أحلام العرب الذين يقاومون في ظروف معينة.وإذا كانت الأنظمة عاجزة من تحرير الأرض،فلماذا لا تكون عاجزة عن تدمير قوى المقاومة،أو على الأقل الوقوف على الحياد بين المقاومين والغزاة الأميركيين والإسرائيليين.وإذا كانت الشعوب عاجزة أن تقدم الدعم على الثغور في لبنان وفلسطين،أفلا تستطيع القوى الشعبية والنخبوية والثقافية في العالم العربي خصوصاٌ أن تتحرك في ميادين أوطانها،لتشكل حالة رفض أو إزعاج للمخطط الأميركي.فإذا كان البعض يظن أنه بمنأى عن النار، فأميركا لن تترك أحداٌ ليعيش بأمان وآخر الدلائل، تفجيرات الدار البيضاء في المغرب، وتفجيرات الجزائر، وحتى السودان في دارفور,ولكل بلد عربي داؤه ودوائه،وسيتجرع الجميع ما يتجرعه اللبنانيون والفلسطيون.لكن لكل بلد طريقته وأسلوبه.
فهل يستيقظ الأخوة العرب قبل فوات الآوان،أم ينتظروا قيام المحاكم الدولية الواحدة تلو الأخرى على الطريقة اللبنانية في لبنان..؟لن يمر المشروع الأميركي سواء في التوطين أو التقسيم أو مصادرة الكيان سواء بوجوه محلية بديلة من الحاكم الأميركي المباشر على طريقة العراق،لأن في لبنان مقاومة وطنية على مستوى كل الطوائف بدون إستثناء وفي كل المناطق بدون إستثناء وأهمية المقاومة أنها ليست سلاحاٌ حديدياٌ،بل هي ثقافة وسلوك،ونهج حياة فإن صودر السلاح أوحوصر،فلن يستطيع أحد أن يحاصر المحكمة،والموقف والمظاهرة والإعتصام ليصادر الوطن.