المحاكم الدوليــة بين لبنـــان الســودان
د.نسيب حطيط
لقد أنشئت المحاكم ،لمعاقبة المجرمين وحماية المظلومين وتحقيق الأمن الاجتماعي وحفظ النظام العام لنشر العدالة.
أما المحاكم الدولية المنشأة في العصر الحديث،فقد شكلت أداة ناعمة للقوى الاستعمارية لتحقيق الأهداف الصعبة، والتي عجزت عن تنفيذها عسكريا وسياسيا،وتتميز المحاكم بأنها مزاجية واستنسابية لاتخضع لنفس المعايير والمبررات القانونية والميدانية.
إن المحكمة الجنائية الدولية التي أصدرت مذكرة توقيف بحق الرئيس السوداني عمر البشير بتهمةالابادة الجماعية في أقليم دارفور،ومن جانب واحد دون أي تحقيقات أو اعترافات لم تتحرك رغم تقرير غولدستون حول جرائم غزة التي ارتكبتها إسرائيل ،لمساءلة المسؤولين الإسرائيليين ،وكذلك عندما ارتكبت إسرائيل وحلفائها من اللبنانيين مجازر صبرا وشاتيلا التي تجاوز عدد ضحاياها الألاف وكانت تستحق توصيفها بأنها جريمة ضد الانسانية أو جريمة الابادة الجماعية .
إن المحكمة الجنائية الدولية ومن يقف ورائها من الأميركيين والغربيين، لم تحرك ساكنا بالنسبة لمجزرة قانا التي ارتكبت في مقر القوات الدولية ضد النساء والأطفال والشيوخ.
وهنا يطرح السؤال البديهي..؟!
لماذا يتم تجزئة العدالة والاستنسابية في تطبيقها، ونحن ضد القتل الظالم لأي انسان سواء توافقنا معه أم اختلفنا ،لكن لنا الحق بالشك وعدم الثقة بالمؤسسات الدولية ومن يرعاها حيث يصبح القتل من قبل الأقوياء الإسرائيليين والأميركيين وشركاتهم الأمنية من المرتزقة خارج المحاسبة والعدالة، ويمنحون الحصانة ويتقاضون بدل أجرة القتل التي تدفعها الشعوب عبر نهب ثرواتها ومصادرة سيادتها وتجاوز قوانينها.
إن المحكمة الجنائية الدولية كانت الوسيلة المثلى والأفعل للمباشرة بتقسيم السودان بدء من الجنوب(المسيحي) الذي يشكل سكانه نسبة 20%، بعد إتهام الرئيس السوداني، لدفعه للموافقة على الاستفتاء على مصير الجنوب ،والذي تعمل أميركا لانفصاله وتأسيس دولة مسيحية ليس حبا بالمسيحية بل طمعا بالنفط و المواد الأولية،و ليبدأ مسلسل تقسيم السودان بين الشمال(المسلم)والجنوب(المسيحي)أولا ومن ثم أقليم دارفور تحت عنوان الحكم الذاتي أو الحماية الدولية وبعدها تنتقل العدوى إلى مصر حيث يطرح شعار(الدولة)القبطية لحماية الأقلية وإعطاء الحقوق المدنية والدينية لتبرير يهودية دولة اسرائيل وضمان تفوقها على محيط مفكك من الدويلات المذهبية المتناحرة..ليبدأ تأسيس (الشرق الأوسط الجديد) من السودان بعد فشله في حرب لبنان 2006.
إن الحرب الأهلية اللبنانية والحروب الاسرائيلية لم تستطع تقسيم لبنان ولا تغيير وجهه العربي فكان أن تعرض لعملية اغتيال ظالمة استهدفت الرئيس الشهيد رفيق الحريري كمر إجباري للتدخل الدولي و انشاء محكمة دولية(استثنائية)لأول مرة في العالملإغتيال الأفراد ، شعارها العدالة وجلاء الحقيقة ،لكنها برهنت أنها لا تريد الحقيقة بل تغمض عينيها عن شهود الزور ،ومن انجازات المحكمة حتى الآن أنها حققت أهداف لا علاقة لها بالحقيقة والعدالة:
-انسحاب الجيش السوري من لبنان
-امساك مقاليد النظام والاجهزة الأمنية في لبنان
-انهاك المقاومة واقلاقها .
- تقسيم المجتمع اللبناني عموديا ولا ينقصه الا التقسيم جغرافيا ليولد التقسيم الكامل
- استباحة لبنان من قبل الأميركي لأول مرة بعد محاولات الأسطول السادس في 1958والمارينز ونيوجرسي في1982.
إن قرار إنشاء المحكمة يظهر أن سيناريو المحكمة الدولية في لبنان كان لبناء جسر لتخريب العالم العربي بدء بالتوطين وتهجير المسيحيين أو التقسيم ، بغطاء دولي.
لكن... هل تنجح المحكمة الدولية لتحقيق ماعجزت عنه الآلة الاسرائيلية- الأميركية طوال ثلاثة عقود؟!....على الوطنيين اللبنانيين العمل لكشف حقيقة من اغتال الرئيس الحريري الذي لم يساوم على مقايضة الحكم مقابل طعن مواطنيه ، خاصة المقاومين، فاستشهد مظلوما بسيف من راهنوا عليه ،وعلى المقاومة والدولة العمل لكشف المجرمين عبر القضاء وبمشاركة سورية –سعودية بصفة مراقب في المحاكم اللبنانية وبتعاون كل الأحزاب وإلا فإن المحاكم الدولية ستعلن الشرق الأوسط الجديد ما بين لبنان- والسودان؟!.