بعد زوال الاتحاد السوفياتي وانتهاء الثنائية العالمية بين قطبين جبارين وامتلاك امريكا لمقدرات السياسية العالمية مرة بعنوان السيطرة على العالم ومرة اخرى بعنوان قيادة العالم كان لا بد من صياغة مرتكزات للحروب الجديدة في العالم تعطي المبررات الميدانية للادارة الاميركية لاقناع شعبها وتحشيد الراي العام حولها فكان ان اخترعت عدوا شبحا اسمه الارهاب ليس له جغرافيا ولا نظام ولا موقع سياسي بل يشكل فكرة غير محسوسة وغير مستقرة وذلك لجعل ساحة العالم ساحة معركةمفتوحة بدل تركيزها في بقع جغرافية محددة بحيث يصبح كل بلد هو(غب الطلب)لشن هجوم عليه بحجة ايواء او دعم الارهاب.و تطور مفهوم الحرب ضد الارهاب ليكون على جميع المستويات من مستوى الفرد الواحد الى مستوى الطائفة او الشعب او النظام والدولة الى مستوى الامة بمكوناتها السياسية والا جتماعية والاقتصادية والثقافية وللاستفادة من الحرب ضد الشيوعية بعنوان مكافحة الالحاد والكفر فقد تم اعتماد الفكر الديني(الصليبي)وفق مقولة الرئيس الاميركي او(الصهيونية المسيحية)لاعطاء غطاء للحرب الجديدة ضد عدو جديد هو الاسلام كفكر ارهابي يستعمل العنف لنشر رسالته.وبالتالي العمل على الدمج بين الارهاب والاسلام لاظهارها كعدو واحد وبالتالي فان هزيمتهما ستعطي الفرصة لهؤلاء المحافظين الجدد للسيطرة على العالم تحت نظر ورعاية الصهيونية المتلبسة باكثر من لبوس.ولذا فقد اخترع الاميركيون فكرة تمويل الجهاد ضد الغزو السوفياتي لافغانستان من خلال بن لادن وطوروا الفكرة من خلال نظام طالبان الذي وصل الى حكم افغانستان عبر الدعم الاميركي المتمثل بالدعم الباكستاني والسعودي,ومن ثم بعد استنفاد الوظيفة المطلوبة من نظام طالبان لتشويه الاسلام كنظام حكم, ومن خلال بن لادن لتشويه المسلم كفرد اجتماعي,لا يحمل للاخرين الا الحقد والكراهية والموت.وبالتالي اسقاط الاسلام كفرد وفكر ونظام ليسهل شن الحرب عليه بعد تعميم الصورة البشعة له في اذهان الراي العام العالمي وكان لا بد من تدعيم هذه الحرب عبر(شرعنة) مفهومها من خلال اراء البابا بندكتوس السادس الذي تبنى مقولات لبعض الاباطرة منذ اكثر من ستة قرون وعندما يصبح البابا مرددا لكلام الملوك بدل ان يردد الملوك ما يقوله البابا تصبح الامور اكثر صعوبة.
ولكن المشكلة ان الادارة الاميركية بمفرداتها وادواتها واموالها تحاول اظهار حروبها على انها حروب صليبية ضد الاسلام الارهابي والعنفي ليتم تحشيد الغرب المسيحي في معركة ليست له واستعمال الشرق المسيحي كراس جسر او حصان طروادة داخل الكيان الاسلامي مع القفز فوق التمايز العقائدي والسلوكي والسياسي بين المسيحي الشرقي والمسيحي الغربي فالمسيحي الشرقي الذي يعتبر نفسه اساس المسيحية وجذرها العقائدي الذي تفرع وانتشر على العالم فهو اقرب لحماية العقيدة المسيحية كنظام اخلاق وسلوك وانتماء بعيدا عن الممارسة الطقسية الباردة والجافة للمسيحيين في الغرب.ولا يزال المسيحي الشرقي يعتبر نفسه توام ديانات الهية يتكامل معها وفي اسوأ الحالات لا يتناقض معها بحكم المعايشة و التواصل الثقافي والاقتصادي والاجتماعي.وبالتالي فهو يعتبر نفسه جزء من الكيان الشرقي المسمى العالم العربي بشكل خاص وبالتالي هو مواطن في هذه الجغرافيا دون تنازل عن عقيدته المسيحية لذا كان شريكا في العمل السياسي والثقافي والفكري والعسكري في بعض الاحيان لحفظ الهوية الحضارية لهذه المنطقة لذا كان في العالم العربي جو جمال السوري العربي الاستشهادي وكان منهم المطران بولس الخوري الذي سمي مطران العرب وكان منهم احد الكهنة الذي استشهد ضد العدو الاسرائيلي في الخيام ممسكا برشاشه ومنهم المطران ايلاريون كبوجي الثائر والمنفي ومنهم البابا شنودة بطريرك الاقباط في مصر المعادي لاسرائيل والصهيونية.ومنهم المفكرون والسياسيون والادباء الذين دافعوا عن هوية هذه المنطقة حتى ان الحروب الصليبية لم تستطع ان تسلخ هؤلاء المسيحين عن انتماءاتهم, وبالتالي فان ما يتعرض له الاسلام من تجريح واتهامات وتحريض لا يمكن ان تتحمل المسيحية بجوهرها كما لا يتحمل الاسلام سلوكيات وافعال القاعدة وطالبان وغيرها وبالتالي فان الايحاء بان الصراع هو بين المسيحية والاسلام لمحاولة دفعهما الى التصادم كديانتين وحضارتين مع ما يملكان من مصادر قوة على انواعها لاضعافهما مجتمعين لصالح ما يسمى بالصهيونية العالمية مختبئة وراء اليهودية المزورة.وان احدى ساحات الصراع هو الشرق الاوسط حيث يسعى المحافظون الجدد الى معاقبة كل مسيحي فردا كان او طائفة او حزبا او جماعة يبني مداميك العلاقة الاخوية مع محيطه المسلم او يحاول قيام تعايش هادىء وسلمي بين الجناحين المسلم والمسيحي مما يبطل نظرية الصدام بين الاسلام والمسيحية.ولذا فاننا نرى ان معاقبة الاقباط في مصر بزعامة البابا شنودة تتم عبر الانشقاق الروحي الذي بدأه احد القساوسة برعاية اميركية لزعزعة الموقف السياسي للاقباط الذين يتمسكون بعدالة القضايا العربية وخاصة القضية الفلسطينية ويرفضون(مع كل المشاكل التي يصرحون عن تعرضهم لها)ان يكون اداة للمخططات الخارجية لزعزعة الاستقرار الداخلي في مصر ونرى في فلسطين العقاب القاسي الذي تعرض له المطران كبوجي مطران القدس من خلال نفيه وطرده من كنيسته وموطنه وما يتعرض له الدكتور عزمي بشارة لمواقفه المناقضة للجبروت الاسرائيلي.وما تتعرض له والقيادات والاحزاب المسيحية في لبنان الرافضة للمشاريع الاميركية والمتمسكة بهويتها العقائدية مثل التيار الوطني الحر بزعامة العماد ميشال عون وتيار المردة بزعامة الوزير السابق سليمان فرنجية ورئيس الجمهورية العماد اميل لحود الى بقية الشخصيات والهيئات التي ترفض التقسيم او الفدرالية او غيرها متمسكة بالكيان اللبناني الواحد .فاذا كان المسيحيون في الشرق يتعرضون لضغوط خارجية لسلخهم عن بيئتهم واوطانهم و اما ان يكونوا ادوات بيد الخارج او يتعرضون للتهجير الطوعي بعنوان الهجرة فعلى اخوتهم المسلمين ان لا يضعوهم بين المطرقة والسندان وان لا يضغطوهم من الناحية الاخرى بعنوان ان لا يكونوا(فشة خلق)للثار من المخططات الغربية او التصريحات الغربية ويدفعوا ثمن افعال واقوال لم يقوموا بها بل قام بها غيرهم انطلاقا من مواقف سياسية تابعة للادارة الاميركية.ولذا فان التعرض لكنائسهم او اشخاصهم او ممتلكاتهم تكون خلاف الدين الاسلامي اولا تحت عنوان(ولا تزر وازرة وزر اخرى)وثانيا لاننا ندفعهم بذلك الى طلب الحماية من الخارج او الارتماء باحضان السفارات طالما انهم يواجهون العقاب سواء فعلوا او لم يفعلوا بل على المسلمين اعطائهم الطمانينة ليس بعنوان الشفقة بل من خلال الاخوة في الدين وعبادةى الاله الواحد والاخوة في المواطنية والانسانية والشراكة في المصير ودعمهم ليدافعوا عن قيم المسيحية الحقة غير الملوثة بالسياسات الاستعمارية او مصالح النفط او الاحتلال الجديد المغطى دولي.ويكون حفظ الاخوة المسيحيين من خلال حفظ مالهم واملاكهم وشخصيتهم المعنوية وافساح المجال لهم بالتمثيل السياسي المميز الى حد ما لفتح ابواب المشاركة لهم ليبقوا في هذه الاوطان خميرة للعقيدة السمحاء ولمنعهم من الهجرة الى اسقاع الدنيا حيث تضيع هويتهم وشخصيتهم ويفقد هذا الشرق ميزة من مميزاته التي يفتقر اليها العالم الاخر وهو التعايش بين الديانات ليس على المستوى النظري بل على المستوى العملي والسلوكي لينتصر الايمان بوجوهه كافة على الايمان السياسي المزور الذي ياخذ المسيحية عباءة لتمرير مشاريعه فيما لا ينصاع الى اوامرها باحترام الانسان والحق والعدالة ولا ينتهي عن نواهيهامن ظلم وقتل للاخرين ومصادره حقوقه.وهنا فان المسؤولية تقع على المسلمين بشكل خاص لتوفير المناخ والبيئة للازمة لاشعار المسيحيين بالامان بين اهلهم حتى لا يقعوا فريسة الاوهام والاغراءات الخارجية.لان المسيحي الحقيقي هو من يؤمن ان اليهود الضالين هم من حاول صلب المسيح وليس الاسلام ولا نبيه الكريم الذي يتهمونه بالعنف فمن قتل الانبياء ولاحقهم وعصاهم ونكل بهم ومن تجرأعلى اتهامهم بكل سلوك سيىء وغير اخلاقي؟هم اليهود التجار والمرابين ولانهم لم يدركوا رسول الله(ص)ولم يتمكنوا من ايذائه فلقد عادوا متاخرين ليثاروا منه ومن رسالته وليثاروا من السيد المسيح(ع)ورسول الله محمد (ص)مجتمعين بان تتصادم الرسالتين مع بعضهما البعض فتقتتلان وتندثرا لتبقى الارض لهؤلاء القتلة الذين لم يسد جوعهم كل الدم الذي اراقوه منذ رسالة عيسى(ع)حتى اليوم.فهل يصبح المسلم والمسيحي شركاء في جريمة وأد رسالات السماء المسيحية والاسلام؟ام يكون المسلم والمسيحي اوفياء مخلصين عابدين لله تتحد اياديهم للدفاع عن الحق الالهي والخطوة الاولى تبدأ من هذا الشرق من القدس الشريف قبلة المسيحيين والمسلمين حتى يعود الضوء الى هذا العالم المظلم بالحقد والكراهية ليعود هذا الشرق مركب الخلاص كما كان عند بدء الدعوة لهداية الناس ينصر الحق واهله ويسقط الباطل واهله .