المسيحيــون مـن دولـة لبنــان الكبيـر إلى بواخـر كيسنجـر
د.نسيب حطيط
يثبت الغرب(المسيحي) بأنه يلتزم شعار المصالح قبل المبادئ والعقائد، وأن المنهجية الرأسمالية على مستوى الاقتصاد يمكن تعميمها على مستوى التعامل الانساني والثقافي وحتى العسكري ،فالربح هو الاساس ولا يهم شرعية الوسيلة وشرفها ،فالانسان في نظر الغرب سلعة متحركة يمكن بيعها او قتلها او تعذيبها في سبيل الاهداف والمصالح الغربية وان حقوق الانسان مصطلح متحرك يمكن العمل به او تجميده او تعديله او تعطيله وفق المصالح مرة بعنوان(مقاومة الارهاب)او الامن القومي او العالمي لكن النتيجة واحدة الربح الغربي هو الاساس.
مع بدايات القرن الماضي ،وبعيد الحرب العالمية الاولى وانهزام الامبراطورية العثمانية جاء الغرب الاوروبي ممثلا بفرنسا وبريطانيا واحتل البلاد العربية بما يسمى(الانتداب) لرعاية شؤون الشعوب وطبعا دون مشورة شعوب او حكام هذه البلاد ففرض الوصاية الشاملة من المستعمر الغربي وضمن خطة التفتيت والتجزئة ولدت الكيانات العربية على طاولة خرائط الثنائي الفرنسي-الانكليزي الذي اصطلح على تسمية معاهدة(سايكس-بيكو)وكان من ثمار الانتداب والاستعمار ثلاثة نتائج:
- اعطاء فلسطين لليهود الفارين من المانيا واوروبا وطرد الشعب الفلسطيني.
- تقسيم الوطن العربي الى حوالي 21دولة.
- نشوء دولة لبنان الكبير من اجل مصالح المسيحيين(ظاهرا).
وبعد استقلال لبنان عام 1945 تحول لبنان الى دولة بقيادة مسيحية ضمن ميثاق وطني بين المسلمين والمسيحيين ،لكن بعض القوى المسيحية المتطرفة والمتحالفة مع اسرائيل وضمن منهجية الطمع او الغباء السياسي افتعلت الحرب الاهلية اللبنانية بعد ثلاثين عاما من امساكها بالحكم تحت ذريعة التمدد الفلسطيني والغاء اتفاق القاهرة ومنع الدولة الفلسطينية ،وقد ورطها في ذلك الاسرائيليون وبدعم اميركي فكانت النتيجة 15سنة من الحرب الاهلية والتي اتخذت طابعا طائفيا مرة وعنصريا مرة اخرى وسياسية بعض الأحيان، وفتحت الطريق امام اول اجتياح اسرائيلي عام 1978 واحتلال الجنوب ثم تورطت هذه المليشيات المسيحية او اجبرت على التورط وتحالفت مع اسرائيل في اجتياح عام 1982 وتحملت وزر القرار الاسرائيلي في مجازر صبرا وشاتيلا وتبرأت اسرائيل من المذبحة ونتيجة الرهان الخاطئ للميليشيات المسيحية المتطرفة خسر المسيحيون جزء من امتيازاتهم في اتفاق الطائف، ثم خسروا جزء كبيرا من الجغرافيا السياسية واصيبوا بالتصحر الديمغرافي في شرق صيدا والجبل وغيره، ولا يزال البعض منهم مصرا على خياراته او التزاماته امام الاسرائيلي والاميركي مع انهم خسروا دولة لبنان الكبير التي حكموها بعد الاستقلال، ويقاتلون الآن لحفظ المشاركة على اساس المناصفة مع ان العدد لا يساعدهم، فقد فعل التهجير والهجرة فعلهما في الجسد المسيحي واثر على قوتهم السياسية والاقتصادية فلم يعودوا ينتخبون نوابهم بشكل كامل، ولم يحموا اراضيهم وبعض زعمائهم المتطرفين لا يزال مستمرا في بيعهم وتوريطهم وفق منهجية الارتباط باميركا واسرائيل ،ولم يتعظ مما اصاب حلفاء اميركا واسرائيل في مصر وايران والعراق وتونس مع ان القياس بينه وبين رؤساء هذه الدول قياس خاطئ وغير منطقي ولو اكثر الخطيب المسيحي المتطرف والمتورط من سجعه واشعاره العربية.
إن الغرب قد تعامل مع المسيحيين بمنطق الحماية والولاية والدلال ، عندما كانت الابواب العربية موصدة امامه، فكان المسيحيون الذريعة والنافذة للغرب ،وعندما ارتمى اكثر العرب في احضان الاميركيين والاوروبيين لم يعد للمسيحيين وظيفة، ولم يعودوا حجة ونافذة للتدخل الغربي فقد صارت اميركا قوة اقليمية بعد غزو العراق وصار الملوك والرؤساء والامراء العرب مع اوطانهم في خدمة المشروع الاميركي-الاسرائيلي وتحول المسيحيون الى تفاصيل ثانوية وجزئية وفي بعض الاحيان الى عبء غير مرغوب فيه وعائقا امام المشروع الاميركي (الشرق الاوسط الجديد) وتم الاستعاضة عن الدولة المسيحية في لبنان بالدولة المسيحية الاكثر نفعا الآن (جنوب السودان) في قلب افريقيا العربية خاصة(مصر-السودان).
ولذا فان اميركا والتحالف الغربي ليسا بالاندفاع والحرص كما في الماضي للحفاظ على الوجود المسيحي في بلاد الشام ،وقد دعمت الكنيسة المارونية بعد وفاة البطريرك خريش المحور المسيحي المتطرف الذي يقف بوجه المقاومة ويرفع شعار السلام مع(الجيران) والخصومة مع سوريا وفي احسن الاحوال التعاطي البارد معها دون الالتزام باي خصوصية او استثناء في العلاقات وفق ما نص عليه الطائف او ما تمليه الجغرافيا السياسية وتشابك الملفات الامنية والاقتصادية ،حيث ان بعض المسيحيين مع استمرار(بوابة فاطمة)على الحدود اللبنانية-الفلسطينية للتواصل مع العدو الاسرائيلي ضد فتح بوابة المصنع مع سوريا.