يعيش العالم العربي ارهاصات سياسية، تتبلور شعبيا ، بإفراز حركات مقاومة من الأجيال الجديدة ،التي تجرعت الهزيمة ,وعايشت ضياع الحقوق ، ويئست من الهيئات الدولية المخادعة والمتواطئة مع الإحتلال والإستعمار ، فقد باشرت الشعوب بتحمل المسؤولية نيابة عن حكامها وأنظمتها .
فالمقاومة اللبنانية بأطيافها الإسلامية والوطنية, استطاعت أن تؤسس لمشروع المقاومة على المستوى العربي, بصمودها أمام الإحتلال الإسرائيلي , و الإنتصار عليه,وإجباره على الإنسحاب دون شروط أو مفاوضات,وخاضت في 2006 حربا حقيقية, وعالمية ( سياسيا ) وأنتصرت أيضا، بإجهاض أهداف العدو ( إطلاق الأسيرين وتجريد المقاومة من سلاحها), بالإضافة إلى إلحاق الضرر بالجبهة الداخلية بشكل مؤلم.
ومن خلال تجربة المقاومة اللبنانية ، استفادت فصائل المقاومة الفلسطينية التي واصلت خيار الكفاح المسلح بعيدا عن إتفاقات أوسلو وكامب دايفيد وغيرها ، واستطاعت أن تؤسس لمقاومة مسلحة فرضت شروطها على العدو الإسرائيلي في اتفاق التهدئة الأخير, وتم الإعتراف بها بشكل غير مباشر كطرف عسكري, يقلق ويخيف الجيش الصهيوني ويردعه عن المغامرة في دخول غزة أو البقاء فيها ، رغم الظروف الميدانية الصعبة ، ومع ذلك فإن استثنائية الشعب الفلسطيني لجهة التضحيات والمشاركة في تحمل تبعات المقاومة, كمجتمع مقاوم له أذرعته العسكرية, ، ليصل قطار المقاومة إلى العراق المحتل, الذي أنتج مليون قتيل وأربعة ملايين يتيم, بالإضافة إلى تفتيت الكيان العراقي ، وبدأت بوادر المقاومة الحقيقية ضد الإحتلال دون الإنزلاق إلى الفتن المذهبية, وأولى النتائج الخسائر البشرية الأميركية, وعرقلة الإتفاقية الأميركية- العراقية بمنع الحكومة العراقية من الإذعان والتسليم المطلق للأوامر الأميركية.
بالإضافة إلى حركات المقاومة في لبنان وفلسطين والعراق ، فإن المقاومة الشعبية التلقائية التي شهدتها مصر بعد اتفاقات كامب دايفيد ورفض التطبيع ، يعطي ألأمل بتطور هذه المقاومة المدنية ,إلى مقاومة حقيقية, تصحح أداء النظام ، وكذلك فإن أكثرية الشعب الأردني ترفض التطبيع أيضا ,والتحركات الشعبية لنصرة المقاومة في لبنان وفلسطين والدفاع عنها في الوطن العربي, تظهر وجود خميرة فكرية لنهج المقاومة ، يحتاج إلى عملية توليد طبيعية غير ( قيصرية ) بعيدة عن العنف , ولا بد من الإستفادة من المسار الديمقراطي والتعبئة الشعبية الهادفة مع صعوبة هذا الخيار, وحاجته لوقت أطول ، لكنه يبقى الأسلم لمصالح الشعوب والأمة, كوحدة حضارية ,خاصة وأن تجربة العنف المسلح في مصر والجزائر ( الجماعات السلفية ) لم تنتج سوى تدمير للإقتصاد وللعملية السياسية وتشويها للإسلام, وهدرا لفرص التغيير, نتيجة الأعمال الإنتقامية للأنظمة، والإرتماء في أحضان الإدارة الأميركية وحلفائها ، لحماية النظام العائلي.
ولذا فإن المطلوب من حركات المقاومة خاصة وأنها تحمل الفكر الإسلامي ,أن لا تقع في فخ ( الفكر المذهبي المتعصب), فالمذاهب هي إجتهادات فقهية لفهم الإسلام وتطبيقه والدفاع عنهوليس للتناحر فيما بينها،خاصة وأن العدو أعلن الحرب على الإسلام, كعدو بديل عن الشيوعية .
وبالتالي فإذا كان الإسلام مهددا كدين و حضارة ، وإذا كان القرآن مهددا بالتحريف, حيث وصل الأمر إلى افتتاح نافذة إلكترونية إسرائيلية, بعنوان ( قرانت ) لتفسير القرآن, وصياغة فكر إسلامي جديد يجيز الإستسلام والتبعية ، ويحرم المقاومة.
فلا بد إذن من تعميم المقاومة الشاملة ، عسكريا وثقافيا واقتصاديا وإعلاميا، لحفظ الفكر الديني من التلوث, وعدم الوقوع في الخطأ والخطيئة لجهة تحديد العدو, فتصبح إسرائيل صديقا أو عدوا مع وقف التنفيذ ، ويصبح العرب والمسلمون أعداء بعضهم البعض وفي ذلك الهزيمة الكبرى........فهل نستيقظ جميعا وننتصر على الفتنة؟.