لقد شغل الملف النووي الإيراني،الأجهزة الإستخباراتية وأجهزة الإعلام والدوائر السياسية لعدة سنوات مضت،وبدا وكأنه محور العمل السياسي الدولي والخطر الأوحد على السلم العالمي،وحتى أن بعض العرب وبضغط أميركي، حولوا قضيتهم الأساسية من فلسطين وإحتلال القدس،إلى محاصرة النشاط النووي الإيراني،وكأن إيران تمارس فعلا شائنا إرهابيا وتمردا على العالم،مع أنها فتحت أبواب مصانعها النووية للوكالة الدولية للطاقة الذرية وبزيارات متتالية،بينما لم تفتح إسرائيل أي نافذة على مفاعل ديمونة النووي وقنابلها النووية،والتي لم يتحرك العالم ومؤسساته باتجاه ضبطها ومراقبتها بسبب خطورة موقعها الجغرافي الضيق بين مصر وفلسطين، ولأن الخداع والتزوير هو سمة السياسة الأميركية والغربية،ولأن الإعلام الكاذب شكل كاسحة الألغام أمام غزو أفغانستان،وأمام غزو العراق واحتلاله،بحجة أسلحة الدمار الشامل التي تبين بطلانها باعتراف مروجيها الأميركيين،فإن الإعلام يسلط الضوء على النووي الإيراني، وتجاهل النووي الإسرائيلي، ويصفق له العرب،تماما كما تستفيد الملوك والأمراء والرؤساء الدائمون في الدول العربية،ثغرات الديمقراطية الإيرانية الواسعة وهم الذين لا يسمحون للنساء حتى بقيادة السيارة وللرجال بالتصويت؟!.
ولتوضيح الحقائق فلا بد من توضيح أن الملف الإيراني قبل قيام الثورة الإسلامية قد بدأ عام 1957في زمن شاه إيران،وبرعاية أميركية وغربية ،وأنشأت أول محطة نووية ،وقد بنيت من قبل جيرنوت زيب،وهي شبيهة بالطاردات الموجودة في باكستان، والتي استوردت من ألمانيا وبالتحديد من شركة(أورنيكو)ويعتبر النشاط النووي الإيراني الفعلي قد بدأ عمليا عام 1967 عندما بدأت الولايات المتحدة الأميركية، إنشاء أول منشأة إيرانية نووية،سميت(مركز بحوث طهران النووي)في جامعة طهران،ووقعت إيران عام 1968، على معاهدة السماح لها بالبحث في هذا الإطار، ودخل الإتفاق حيز التنفيذ في أذار عام 1970، بشرط إستخدام الطاقة للأغراض السلمية، وقد شمل المركز مفاعلا بقدرة(5ميغا واط) واستطاع إنتاج(600غ)من اليوراونيوم بالسنة من وقوده المستهلك.
علما أن العديد من البحوث كانت تشير إلى أن إيران تحتاج إلى حوالي 2000 (ميغا واط) من القدرة الكهربائية لغاية عام 1990،وقدساعد إيران، الشاه في أعوام البرنامجها النووي، الذي كان على وشك التعطيل لأسباب كثيرة، على إثر ذلك قامت الولايات المتحدة الأميركية بمساعدة الشاه ،على توسيع عدة برامج كان منها البرنامج النووي ،حيث توجه شاه إيران آنذاك إلى بناء مفاعلات نووية داخل إيران ،للحصول على الطاقة الكهرونووية، لتلبية متطلباتها، لا بل وصل الأمر إلى أن الولايات المتحدة نفسها، باتت تحث الشاه إلى بناء مفاعلات أخرى، حيث كان من المفترض أن يتم بناء22 مفاعلا ،حسب ما خطط في هذا البرنامج ،وقد منحت الحكومة الإيرانية آنذاك عقدا إلى إتحاد كرافتويرك(شركة تابعة لشركة سيمينز)التابعة لألمانيا الغربية(آنذاك)،لبناء مفاعلات سيمينز بقدرة تصل إلى( 200 ميغا واط )،في بوشهر وقد بدأ العمل الفعلي بذلك عام 1974.
لقد توجهت أنظار الشاه ،آنذاك إلى العديد من المصادر الدولية، لتغذية برنامجه الطموح، دون الإعتماد على مصدر واحد ،حيث وقعت منظمة الطاقة النووية الإيرانية ،عقدا مع معهد ماساشوسيتس التكنولوجي، في عام 1975، لتزويد المهندسين الإيرانيين الذين سيبدأون العمل في مفاعلات عدة ،منها مفاعل بوشهر المذكور، ووقعت نفس المنظمة مع الهند ما سميت بمعاهدة التعاون النووية الإيرانية الهندية(حينها أجرت أهم تجربة نووية هندية لحد الآن ونقول لحد الآن لأسباب تتعلق بالقدرة التي حصلت عليها لإجراء التفجير المذكور بمساعدة الكيان الصهيوني)كذلك قامت فرنسا(الدولة التي إشتهر بمساعدة الدول التي ترسم طريقا نوويا مجهول الأهداف!! كما ساعدت الكيان الصهيوني في نهاية الأربعينات من القرن الماضي في العديد من حلقات برنامجه النووي)بمساعدة الشاه لكي تقوم بتدريب الفنيين الإيرانيين الذين سيعملون في مفاعلي بوشهر وفعلا وقعت إيران عام 1974 عقدا مع الشركة الفرنسية فراماتوم لبناء مفاعلين بقدرة 950 ميغا واط وتقوم منظمة الطاقة النووي الإيرانية بتشغيل أربعة مفاعلات صغيرة بمساعدة الصين كذلك في اصفهان.
لقد تتضمن البرنامج النووي الإيراني في سبعينيات القرن الماضي شراء ثمانية مفاعلات نووية من الولايات المتحدة الأميركية لتوليد الكهرباء وقد وقعت الإتفاقية بالفعل بين إيران والولايات المتحدة الأميركية قبل إنتصار الثورة الإسلامية في إيران بسبعة اشهر فقط وضمن الإتفاقية أن تقوم الولايات المتحدة الأميركية بنقل الأجهزة والمادة النووية غلى برنامج إيران للطاقة النووية.
بالإضافة إلى ذلك فقد إستلمت إيران عدة حلقات من التقنية الأميركية ومساعدتها في البحث عن إيداعات اليورانيوم وقد قامت حكومة الشاه كذلك بوضع برنامج لبناء مفاعلين نووين ومحطة كهرباء في دارخوفين على نهر الكارون جنوب مدينة الأهواز.
كما تضمن البرنامج النووي الإيراني آنذاك شراء اليورانيوم من جنوب أفريقيا كما قدمت في ذلك الوقت منظمة الطاقة النووي الإيرانية بعدة عمليات على إنتزاع البلوتونيوم من الوقود المستهلك لإستعماله كعامل مساعد في التصنيع لبعض المواد الكيماوية.
وبعد إنتصار الثورة الإسلامية،عملت الحكومة الإيرانية على تطوير قدراتها الذاتية سواء الإقتصادية أو العسكرية،وكان البرنامج النووي السلمي على المستويين الطبي والكهربائي من أولويات الأهداف الإيرانية خاصة في ظروف الحصار الدولي،والحرب العراقية الإيرانية،وبجهود علمية إيرانية ذاتية وبعض المساعدات من الدول الصديقة استطاعت إيران تطوير برنامجها النووي على مستوى التنقيب في المناجم،وعلى مستوى التخصيب وإنشاء المحطات والمفاعلات المتعددة،لحماية برنامجها،خاصة وان مفاعل بوشهر السلمي لا زال منذ أكثر من عشرين عاما يرزح تحت المماطلة بإنجازه ولم تتمكن إيران من إستلامه حتى اللحظة،وفي نظرة سريعة على البرنامج النووي الإيراني،نرى أنه أصبح بمستوى عال من التوسع والقدرة والإمكانيات،وعلى مستوى إنتاج اليورانيوم المخصب وصلت إيران بمستوى التخصيب الـ 20% وهي قادرة على إنتاج اليورانيوم المخصب الضروري للأسلحة النووية إذا أرادت ذلك .
ويوجد في إيران حتى اللحظة أكثر من عشر مواقع نووية معلنة عدا المناجم المتعددة وهي:
1- ( منجم ساغند) أكتشف عام 1985 يستخرج منه حوالي ( 50-60طن) من اليورانيوم الخام سنويا.
2- ( مصنع أردكان) لتنقية اليورانيوم وتحويله إلى اليورانيوم المركز المعروف ( بالكعكة الصفراء)ويمكن أن ينتج من ( 70-80طن).
3- (مصنع جيهان)بالإضافة إلى المنجم التابع له ويمكن أن ينتج(24طنا) من الكعكة الصفراء.
4- ( مفاعل أصفهان)يتم تنقية الشوائب من اليورانيوم وتحويله إلى غاز(هعكسا فلوريدا اليورانيوم).
5 - ( منشأة ناتانز)من أكبر المنشأت النووية الإيرانية وتستخدم مفاعلات الماء الخفيف لإنتاج الكهرباء من خلال تركيز اليورانيوم ما بين(2.5-3.5%)ولإنتاج القنبلة النووية يجب أن تصل نسبة التركيز إلى 90%.
6- مفاعل بوشهر يتم بناؤه بمساعدة روسية على ان يبدأ التشغيل هذا العام ويمكن أن ينتج اليورانيوم المخصب.
7- ( مفاعل آراك) لأبحاث الماء الثقيل.
8-( أناراك) لتخزين المخلفات النووية.
9- معمل(خوزسنان).
بالإضافة إلى عدد كبير من المحطات والمنشأت غير المعلنة والتي تمثل الإحتياط الإستراتيجي في حال تعرض المنشأت النووية للقصف في حال نفذت التهديدات الأميركية الإسرائيلية ،ولعل غير المعلن من المنشأت النووية،هو الأهم والأكثر فعالية والأكثر أمنا في إيران.
ولكي يستفيق البعض فإأن البرنامج النووي الإيراني قد بدأ بفعل وقرار و تنفيذ أميركي بعهد الشاه بدأ بشكل متزامن مع حرب حزيران 1967 التي احتلت إسرائيل فيها سيناء والضفة الغربية والجولان،وتوسعت إلى حدودها القصوى وبنيت مفاعلها النووي في ديمونة،وكانت أميركا تحاصر العرب في الضفة الأخرى في الخليج عبر شاه إيران المتحالف مع أميركا وإسرائيل،وتبني له المفاعلات النووية،ليحاصر العرب والمنطقة بالمفاعلات النووية التي يمسك الأميركيون والإسرائيليون مفاتيحها،وكان العرب منقسمين بين مهزومين في الحرب،أو غارقين في أموال النفط،أو في صراعاتهم الحدودية.
ويتطوع البعض للتهويل من الملف النووي الإيراني مرة بخطورته على المنطقة ومرة أخرى بسهولة تدميره وتحطيم العنفوان الإيراني،وهم لا يعلمون الإمكانيات العسكرية الدفاعية التي تملكها إيران،وأهمها التبعئة الإيمانية للشعب والقيادة، وإرادة التحرر والمقاومة،التي أثبتها الإيرانيون منذ إنتصار الثورة الإسلامية،وأثناء الحرب العراقية(العالمية)ضد إيران وضد الحصار،حيث تقول الوقائع من المعلومات أنه في حال قامت أميركا وإسرائيل بمغامرة الإعتداء على إيران وقصف منشأتها،وفق ما يحلم به مخرجو الافلام الهوليوودية،أنه خلال ساعات سيتم إنهيار الأسطورة الإيرانية بواسطة القصف الشامل والتدميري والحاسم،فهذا محض خيال و؟؟،وفي حال إرتكبت أميركا وإسرائيل ومن معها هذه الحماقة فإن الرد الإيراني مفتوح على أكثر من إحتمال وإمكانياته في إيقاع الخسائر بالطرف الأخر أكثر من ممكنة بل وناجحة وكبيرة وسهلة المنال وفق سيناريوهات التالية:
1 – إغلاق مضيق هرمز عبر قصف السفن الأميركية وتدمير السفن التي تسلكه ويتميز هذا الخيار بسرعة النتائج وسهولة التنفيذ مما سيمنع خمس صادرات النفط العالمي للتوقف مما سيؤثر على إرتفاع اسعار النفط ويصيب المستهلك الغربي بالخسائر.
2- ضرب المفاعل النووي الإسرائيلي في ديمونة بشكل كبير،مما سيعرض الإسرائيليين إلى الخطر الميداني نتيجة ضيق المساحة الجغرافية وقرب المفاعل من المناطق السكنية المكشوفة.
3- ضرب القوات الأميركية في العراق وبشكل مكثف سواء بالقصف الصاروخي الإيراني أو عبر العمليات الميدانية لقوى المقاومة العراقية.
مما سيعرض الأميركيين إلى خسائر وحرب استنزاف لا يستطيعون تحمل نتائجها ببساطة خاصة وأن أحد مستشاري البنتاغون قد صرح لمجلة نيويوركر ( إذا قمنا بقصف إيران فإن المناطق الجنوبية من العراق ستشتعل كالشمعة)
هذا بالإضافة إلى ما تتعرض إليه الدول التي تقدم أراضيها كقواعد عسكرية أميركية أو تسمح باستعمال أجوائها للطائرات المعادية .
وهنا يطرح البعض السؤال...!؟.
صحيح أن الأهداف الأميركية والإسرائيلية القريبة والبعيدة منها موجودة لكن هل تمتلك إيران القدرات العسكرية اللازمة لتنفيذ تهديداتها.
إن إيران تمتلك ترسانة دفاعية كبيرة تكمن أهميتها بأن ذاتية التصنيع غير مهددة بالحصار سواء على مستوى الذخيرة أو العدد ويوفر لها موقعها الجغرافي إمكانيات المناورة وإبتلاع الغزاة مهما بلغت قوتهم وأعدادهم وفي لمحة بسيطة عن التسليح الإيراني الذي لا يوجب التحرك خارج الحدود فإن إيران تمتلك الأسلحة الصاروخية المتعددة الأنواع البرية والبحرية والجوية وفق التالي:
• إطلاق صاروخ ( كوثر)أرض-بحر المضاد للسفن المتوسط المدى والمتطور جدا بنجاح وهذا الصاروخ له قدرة على مكافحة أنظمة التصدي الإلكترونية ولا يمكن تحريفه عن مساره بأي جهاز كان وذلك في إشارة واضحة إلى أن صواريخ(باتريوت)الأميركية أو( حيتس)الإسرائيلية المضادة لن تتمكن من التصدي له.
• الإعلان عن تجربة ناجحة لطائرة مائية حديثة جدا لا يمكن رصدها على الرادارات وهي طائرة صغيرة الحجم بطيار واحد تطير على إرتفاع منخفض فوق سطح الماء ويمكن إستخدامها وفق الإيرانيين كقنبلة طائرة لتنفيذ عملية إنتحارية على سفينة وهي أقوى إشارة إيرانية لضرب السفن الأميركية في الخليج وغلق مضيق هرمز.
• إطلاق صاروخ الطوربيد شديد السرعة(هوت)تحت الماء وهو صاروخ وفق مساعد قائد القوات الخاصة في الحرس الثوري الأميرال علي فدوي على الإفلات من رادارات الأعداء وأجهزتهم لإكتشاف الأجسام تحت الماء وبالتالي هو مصمم لإغراق السفن وقد كشفت صحيفة إزفستيا الروسية عن أن هذا الطوربيد يشبه إلى حد بعيد صاروخا فائق القوة من صنع سوفيتي وروسي هو الطوربيد(شكفال)الذي تصل سرعته إلى 100 متر في الثانية.
• تجربة صاروخ متعدد الرؤوس وهو صاروخ ( شهاب3)الذي يبلغ مداه الأدنى2000كم،الأمر الذي يجعل إسرائيل والقواعد الأميركية في الشرق الأوسط في ضمن مرماه.
إن السلاح النووي الإيراني في حال إنتاجه،سيكون سلاحا نوويا للعرب والمسلمين والأحرار المستضعفين في العالم،لأنه سيحصن إيران كقوة إقليمية ودولية تدعم حركات التحرر في العالم من أميركا اللاتينية إلى أسيا وأفريقيا،لتكوين جبهة عالمية لمقاومة الإستعمار الأميركي وحلفائه الغربيين،لإعادة التوازن للسياسة الدولية التي صودرت منذ إنهيار الإتحاد السوفياتي عام 1990 وحتى الآن،والتي أثبتت التجارب أن خيار المقاومة التي أنتهجته بعض القوى في لبنان وفلسطين والعراق وأفغانستان أثبت جدواه وإمكانياته في إنزال الخسائر بالمحتل،وان خيار الممانعة والصمود إمتلاك القوة على مستوى الدول مثل سوريا وإيران وفنزويلا أثبت جدواه أيضا في السياسة الدولية.
والظاهر أن بعض الاصوات من شخصيات وقوى ودول تطالب بنزع سلاح المقاومة خدمة لإسرائيل ،وتطالب بإقاف النشاط النووي الإيراني خدمة لأميركا وإسرائيل لإستباحة المقدسات في القدس والحرم الإبراهيمي وكل الأرض العربية والإسلامية،وهذا ما لن يتم طالما أن شعوبا وأنظمة تؤمن أن الحق لا تحميه إلا القوة العادلة.
د. نسيب حطيط