النفــاق الغربـي وقمـع المتظاهريـن فـي بريطانيـا
د.نسيب حطيط
تظهر الأحداث البريطانية مرة جديدة النفاق الغربي وإزدواجية المعايير وتناقض الأقوال والأفعال والسلوك للأنظمة الحاكمة في أوروبا وأميركا التي تدوس تحت أقدامها كل شعارات الحرية وحقوق الإنسان من حرية المعتقد أو التظاهر و التنقل ،ففي الوقت الذي تدين فيه أوروبا وأميركا ومن ضمنها بريطانيا سلوك الأنظمة القمعية وتدعم المتظاهرين في الدول العربية بحجة حرية التعبيير والإصلاح ،فإنها تقمع بالخيول والقتل حركات الإحتجاج الإعتراض الشعبي، اللذين يمثلان لغة المقهورين " كما قال مارتن لوثر كنج،وذلك للمطالبة بتحسين الأوضاع الإجتماعية والصحية للمواطنين ،والتراجع عن إجراءات الحكومة البريطانية التقشفية، واستكمالا للمظاهرة الحاشدة في 29 اذار و الإضراب الكبير في 30 حزيران، و الذي شارك به 750 ألف عامل،،ففي في بلدة هارنيجي التابعة للندن و التي تضم توتنهام، لم يعد يتاح سوى فرصة عمل واحدة مقابل كل 54 عاطل ،و هنالك 8 مراكز شباب من أصل 13 في سبيلها إلى الإغلاق ضمن خطة الحكومة لتقليص الإنفاق العام و الأجور ،وقامت الحكومة في السنة الماضية بتخفيض الميزانية المخصصة لتمكين الطلاب من استكمال دراستهم الاساسية، مما أجبر 630 ألف شاب على الخروج من التعليم نهائيا ،وضاعفت المصروفات الجامعية 3 أمثال ، معلنة و بصورة فجة لافتة " لا مزيد من التعليم " في وجه أغلب الشباب .
لقد سارعت الشرطة البريطانية وبشكل يثير الدهشة وممارسة مشابهة للأنظمة القمعية ادت لقتل أربعة مواطنين (اسود وثلاثة باكستانيين مهاجرين ) واعتقال أكثر من (1700) معتقل وزيادة عدد الشرطة من ستة آلاف إلى ستة عشر ألف، وتهديد السلطات باستعمال الرصاص المطاطي كمرحلة أولى وصولا إلى الرصاص الحي وإنزال الجيش ، والتهديد بقطع الإتصالات وتعطيل الفايسبوك والتويتر ، وسارع رئيس الوزراء كاميرون لوصف المحتجين بالبلطجية والسارقين،وطردهم من بيوت المساكن الإجتماعية عقابا لهم ، والإستعانة بالخبرات الأميركية العنصرية والقمعية عبر التعاقد مع رئيس شرطة نيويورك(ويليام براتون) وتعيينه مستشارا امنيا له ، وتسارعت وتيرة القمع في مدة لا تتجاوز الأسبوع منذ إشتعال شرارة الأحداث، والمثير أيضا أن القتل يتم بناء على أسس عنصرية ضد المسلمين والآسيويين ،كامتداد لظاهرة التطرف اليميني الذي كانت آخر مجازره في النروج على يد الإرهابي(لاندرس بريفيك ) لتحميل مسؤولية الأحداث والسرقات للجاليات الإسلامية المهاجرة إلى أوروبا،لزيادة الهوة بين المواطنين والمهاجرين وتضخيم الخوف من الإسلام الإرهابي والمشاغب الذي بدأ بعد أحداث (أيلول2001 ) واستعادة لمشهد الأحداث العنيفة التي وقعت في بريطانيا عام1981 في بريكستون والتي أفرزت تقرير(سكارمان)الذي يؤكد أن جهاز الشرطة البريطاني(لا شأن له بالمناطق السوداء) فالتجاوزات الأمنية في حق الشباب السود و الآسيويين هي روتين يومي للشرطة البريطانية حيث أن معدل توقيف شاب أسود و تفتيشه يفوق 26 مرة معدل توقيف الشاب الأبيض ،وقد تحرك في بداية هذا العام الآلاف من جنوب لندن على خلفية قتل مغني " الريجاي " الأسود "سمايلي كلتشر " الذي كانت معظم أغنياته تتحدث عن نظام الإفقار هذا و مدى تورط الأمن مع النظام في قمع المهمشين و العمال و عنصريتهم تجاههم ) و الذي ادعى رجال الشرطة أنه طعن نفسه لدى تواجدهم بمنزله !!.
والمستغرب في الأحداث البريطانية وقبلها الفرنسية أن النصائح الأوروبية للآخرين والإدانة التي يبادر إليها المسؤولون الأوروبيون لأي حدث في دول العالم الثالث، ومنها بعض الأمور البسيطة والطبيعية يتبناها الأوروبيون من خلفيات سياسية كاذبة، كما حصل مع الإيرانية سكينة أشتياني التي اتهمت بالزنى وقتل زوجها بالتعاون مع عشيقها، حيث بادرت أوروبا إلى تبني هذه القضية لتشويه صورة النظام واتهامه بخرق حقوق الإنسان ،وكذلك مع المتظاهرة ندى سلطاني التي قتلت بطريقة غامضة مقابل إهمال والتغاضي عن كل المجازر التي يرتكبها أميركا وحلف الناتو ضد المدنيين في أفغانستان وباكستان والعراق وكأن القتل الغربي للمسلمين وقبلهم القيتناميين أمر مشروع ومبرر بقرار من الدكتاتور الأميركي والغربي حيث شرع الأميركيون لأنفسهم إنتهاك القوانين الدولية والدبلوماسية وكل قوانين حقوق الإنسان بحجة حماية الأمن القومي الأميركي دون الإلتفاف إلى حقوق الأشخاص والجماعات، وكذلك فعلت أوروبا بقضايا منع الحجاب أو منع بناء المآذن.
إن الأحداث البريطانية قد كشفت عورة الأنظمة الغربية وأظهرتها على حقيقتها العنصرية والقمعية إبتداء من النازية والفاشية في إيطاليا وأسبانيا وقبلهما الإستعمار الفرنسي والبريطاني في أصقاع الأرضنوتبين أن خلف هذا الوجه الناعم الأوروبي وحش عنصري وإستعماري وقمعي سرعان ما يتفلت من سجنه الوهمي ليظهر طبيعته الشريرة ضد مواطنيه أو مضيفيه كما ضد خصومه وأعدائه.
والسؤال ماذا سيكون موقف السلطات البريطانية لو أن مجموعات مسلحة قطعت شوارع لندن أو ذبحت بعض رجال الأمن والشرطة؟.
ماذا لو استضافت بعض الدول مؤتمرات لدعم المتظاهرين أو دعمتهم بالمال والسلاح؟.
أين نداءات مجلس الأمن لضبط النفس ونبذ العنف واحترام حقوق المواطنين في بريطانيا وكذلك المهاجرين؟.
هل ام المؤسسات الدولية أصيبت بالبكم والعمى أم أنها متفرغة للهجوم على دول الممانعة والمقاومة في إيران وسوريا،أم أن مفردات حقوق الإنسان لا تصرف في الساحة الأوروبية والأميركية؟.