الهندسة المعمارية واشكاليات التعليم عن بعد
البروفسورنسيب حطيط
بدأت أصداء مناقشات وحوارات بين اهل الإختصاص والتعليم ..حول سؤال مركزي ..
.هل ستتوقف منظومة (التعليم عن بعد) عند انتهاء وباء "كورونا"...ام سيتم اعتمادها ولو بشكل جزئي بعد اجراء بعض التعديلات على المناهج وطرق التدريس..؟
لقد اعتمدت منظومة التعليم تاريخيا على العلاقة المباشرة بين المعلّم الطالب وبين الملقي والمتلقي حيث يتواجد الطرفان في فضاء معماري واحد دون وسائط تعليمية غير مباشرة حيث يؤثر الوجود المادي المرئي والمباشر للأستاذ المعلم على الطالب والأداء العام وقد تم اعتماد منهج آخر للتعليم عرف بالتعليم (بالمراسلة) وبقي محصورا بمرحلتي التعليم الجامعي والدراسات العليا في المواد والنظرية وليس العملية .
كان الجهات المسؤولة عن (التعليم عن بعد) في الحروب تعمد الى دمج سنوات اكاديمية مع بعضها البعض او تكثيف المواد للتعويض عن التعطيل القسري بسبب الحروب وهذا ما حصل في لبنان أيام الحرب الاهلية حيث تم دمج سنتين دراستين في سنة واحدة اعطي لكل سنة حوالي أربعة اشهر بدلا من ثمانية اشهر او تسعة واختصار المناهج الدراسية مع بعض الإعفاءات والتسهيلات .
لكن في زمن الوباء العالمي (كورونا) فقد اضطر المسؤولين عن التعليم الى اعتماد منظومة التعليم عن بعد حيث استفادوا من تطور تقنيات الاتصال والتكنولولجيا الحديثة التي كان يفتقر اليها السابقون وحاولوا تجاوز الصعوبات وتأمين العام الدراسي للسنة الثانية على التوالي( وربما تستمر الى السنة الثالثة) بالتلازم مع الحفاظ على سلامة الأساتذة والطلاب وصولا لحماية المجتمع الأهلي وحصار انتشار الوباء عبر الاختلاط والعدوى .
لقد ظهرت الى العلن مشكلة تعليم المواد العملية والتطبيقية التي تعتمد الرسم خاصة الهندسة المعمارية والفن التشكيلي والغرافيكي والهندسة الداخلية ) وتستوجب التصحيح المباشر والعلاقة المباشرة بين الأستاذ والطلاب بالإضافة الى تكامل الرسم المادي على اللوحة مع المجسّم الحقيقي( بمقياس مناسب) للرسم المنجز حيث يساهم المجسّم المادي باضفاء الشعور الحقيقي بالكتل والواجهات واثارة الاحاسيس خاصة لجهة الذوق الجمالي والنسب المعمارية والتشكيل العام حيث يتم ترجمة الخيال والمفاهيم النظرية والفلسفية للمشروع الى مجسّم مادي محسوس ومرئي يحاكي الواقع بمقاييس اقل .
ان ما نواجهه الآن من إشكاليات في انجاز التعليم في تخصص الهندسة المعمارية بالإضافة الى المشاكل اللوجستية والفنية هي مشكلة ترجمة النظريات والخيال ونقلها من الأستاذ الى الطالب والعكس بالعكس كمن يحاول وصف طعم ومذاق طعام ما الى شخص لم يذقه او يراه ونطالبه بالحكم عليه سلبا ام إيجابا ..خاصة ان كثيرا من الطلبة يمتلكون الفكرة ولا يستطيعون شرحها او اظهارها فتبقى سجينة أفكارهم ويخسرون إمكانية اظهارها ..بالإضافة الى خسارة المؤثرات التبادلية بين الأستاذ والطلبة والحميمية الاكاديمية بين اليد والقلم واللوحة وطاولة وأدوات الرسم (والتي استبدلت بفأرة وشاشة الكمبيوتر....غاب قلم الرصاص والتحبير)وخسارة البيئة الحاضنة والمحفّزة للإبداع المتمثلة بقاعة الرسم والحضور الطلاب والاصدقاء والزملاء حيث يخسر الطالب الشعور والاستعداد النفسي المطلوب فطالما انه لم يخرج من بيته ولم يلبس ثيابه يبقى اسير عدم الجدية مع محاولة الغش او ابتداع الوسائل التي تظهر تفوقه في المشاغبة والفخر انه استطاع ان ينهي حصته الدراسية وهو على الشاطئ او المقهى او اثناء تناوله الطعام وشرب القهوة ..
إضافة لما ذكرناه تبقى الإشكالية الأخرى لناحية بعض المواد التطبيقية من صناعة المجسمات والتماثيل والاحجام التي تستوجب عملا يدويا متلازما مع الاطار النظري للتمكن من تصحيح المشروع وصولا الى التحكيم .
بناء على ما تقدم لابد من إعادة دراسة المناهج وتعديلها لتتلائم مع منظومة التعليم عن بعد سواء من ناحية المحتوى او التوقيت او طريقة التسليم خاصة انع بعد التجربة الصعبة والإستثنائية التي نجحت بشكل كبير مع انها تجربة أولى للأساتذة والطلاب والإدارة لكن يمكن تطويرها وتعميمها مستقبلا لتعميم التعليم لكل الشرائح الاجتماعية مع وجوب إعادة دراسة الأمور التالية :
- المباني الجامعية او قاعات التدريس او عدد الطلاب .
- إضافة مواد تقنية جديدة في التعليم الثانوي قبل الجامعي.
- تعديل البرامج المعلوماتية الإدارية لتلبي متطلبات التعليم الجامعي الجديد لجهة التسجيل الاكاديمي وتوقيع حضور الأساتذة وحضور الطلاب .
- مراجعة نسبة علامة التقييم التي يضعها الأستاذ وتغيير هيكلها ومندرجاتها ...
- الزامية المجسمات المعمارية او الغائها واستبدالها بعروض الفيديو وتقنياته...
- الغاء تحكيم المشاريع ورقيا وتوفير الكلفة المالية والتقليل من المؤثرات السلبية على البيئة الناتجة عن التلاف اللوحات ..وغيرها .
ان مؤثرات وباء "كورونا" يمكن ان تزول بزواله ..ويمكن الاستفادة من بعض الأمور التي فرضها ودراستها لتطويرها واعتمادها ..
*رئيس قسم الهندسة المعمارية .
**رئيس الفرقة البحثية للتنظيم المدني في معهد الدكتوراة – الجامعة اللبنانية.