اليمن سقوط مضيق عدن بعد هرمز
د.نسيب حطيط
إنتصر الشعب اليمني على الإدارة الخارجية للأزمة اليمنية واستطاعت القوى اليمنية توظيف تحالفاتها لخدمة الشعب اليمني من بوابة الشراكة الوطنية وحماية اليمن من السيطرة السعودية أو التوازن مع التأثير السعودي وإنهاء مرحلة التبعية اليمنية للسعودية.. ولكن السؤال ما هي تداعيات الإخفاق والفشل السعودي – الأميركي في اليمن ؟
على الصعيد اليمني أظهر الحراك الذي قادته حركة أنصار الله (الحوثيون) بالشراكة مع الحراك الجنوبي والمؤتمر الشعبي العام العام بقيادة علي عبدالله صالح وبقية القبائل الحوثية حيث توحد الشمال والجنوب ضد الهيمنة السعودية بسبب تقاطع المصالح بين الأطراف الثلاث، فالحراك الجنوبي يريد إستعادة ما خسره بعد توحيد اليمن وإلغاء (اليمن الحنوبي) أو على الأقل تأمين الشراكة الفعلية في السلطة وعلي صالح يريد الإنتقام من السعودية التي أبعدته عن السلطة ولم يحمه الأميركي إلا من القتل مع أنهم (حاولوا إغتياله) أما أنصار الله (الحوثيون) فإنهم بعد إنهاء حكم الأئمة في اليمن عام 1962 وإبعادهم عن السلطة وحرمانهم وحصارهم وإشتعال ستة حروب بينهم وبين النظام خاصة مع نظام علي صالح فإنهم يريدون العودة للسلطة عبر الشراكة وليس الإحتكار مستفيدين من تجربة الأخوان المسلمين في مصر وتونس الذين سقطوا في فخ إحتكار السلطة وإلغاء الآخرين فخسروا النظام وخسروا الحلفاء.
إن طرح المطالب الشعبية الإقتصادية والإجتماعية كعمود فقري للتحرك كان ذكياً، مما ساهم في التأييد الشعبي للثورة الثانية وتحييد بعض القوى عن مواجهة هذا التحرك بسبب ما يعانيه الشعب اليمني من فقر وحرمان وفساد في السلطة واحتكار لبعض القبائل (آل الأحمر) أو الشخصيات وما يعانيه من إرهاب القاعدة في اليمن.
لذا فإن أي سلطة ستؤسس في اليمن لن تكون بيد فئة واحدة بل بشراكة وطنية شاملة على الصعيد السعودي.
إن خسارة اليمن أصاب السعودية في خنجر يمني في الخاصرة الممتدة جغرافياً من الحدود اليمنية والسعودية إلى الطائف ويمكن في لحظة ما أن يطرح الحوثيون إسترجاع الأراضي التي أخذها السعوديون وقد تنازل علي عبدالله صالح عام 2000 عن هذه الأراضي لصالح السعودية. فهل ستطرح السلطة الجديدة قضية الأراضي اليمنية المصادرة من السعودية ؟
إن التهديدات من القاعدة وأخواتها عبر اليمن تمثل خطراً حقيقياً للسعودية وتأمين خطوط إمداد للداخل السعودي لأنصار القاعدة وداعش والذين إعترفت السعودية بوجودهم الفاعل عبر إعلانها عن الإعتقالات في صفوفهم وكذلك العمليات الإرهابية الأخيرة ضد المراكز العسكرية السعودية.
أما على الصعيد الأميركي فإن تحالف أنصار الله مع الحراك الجنوبي يجعل مضيق باب المندب وخليج عدن و العبور إلى البحر الأحمر خارج السيطرة الأميركية - السعودية ويضيف إلى أوراق القوة لمحور الممانعة والمقاومة الذي تؤيده روسيا ورقة جديدة وقوية تضاف الى مضيق هرمز ضمن حرب السيطرة على المضائق الأربعة (هرمز-جبل طارق-البوسفور- باب المندب) التي تعتبر منافذ تصدير النفط من الشرق الأوسط للعالم فإذا سيطرت أميركا على بلدان النفط ، يمكن للتحالف المضاد أن يتحكم ويمنع هذه الصادرات النفطية من الخروج ..
أما على الصعيد الإسرائيلي ،فبعد سيطرةإسرائيل على الجزيرة التابعة للسعودية على بوابة البحر الأحمر لتأمين الغطاء الأمني الإسرائيلي ، فإن سيطرة إحدى قوى المقاومة اليمنية على باب المندب سيجهض المحاولة الإسرائيلية الإستباقية على مستوى الأمن ويضيف إلى الهموم الإسرائيلية هماً جديداً ويؤمن طريقاً جديداً لدعم المقاومة في فلسطين لخرق الحصار.
إن الحرب الشاملة التي تخوضها أميركا لبناء الشرق الأوسط الجديد قد تم إجهاض أحد معاركها على الساحة اليمنية وخسرت أميركا هذه الورقة ولم تعد الوحيدة التي تمسك بها عبر السعودية وحلفائها اليمنيين بل صارت ساحة مشتركة لا يمكن مقايضتها أميركياً بساحة أخرى سواء كان في سوريا أو العراق وبالتالي صارت قضية التسويات على مستوى المنطقة كرقعة شطرنج كاملة ،بل لا بد من إنهاء "الفوضى البناءة" التي اشعلتها اميركا ولذا فإن قيادة المحورين المتصارعين تخوض المعارك المتعددة على ساحة كبرى اسمها الشرق الأوسط ويمكن أن تمدد خارج الإقليم... ولكن السؤال هل سيبقى محور المقاومة والممانعة في مرحلة الدفاع دون استعمال وسائل الهجوم المتاحة ،الجواب يكمن في الحراك اليمني لأنصار الله الذي أعلن بدء الهجوم المعاكس أو استعراض للقوة بالقدرة على الهجوم في جهات متعددة بالتلازم مع ردات الفعل العكسية للقوى التكفيرية التي ستثأر داخل أوروبا وأميركا من أسيادها الذين يريدون تأديبها وإعادة تموضعها عبر التحالف الدولي وستكون دول الخليج وخاصة السعودية في مقدمة الساحات التي ستدفع ثمن الإنتقام التكفيري ثم فرنسا وتالياً أوروبا وتبقى أميركا مطمئنة لعدم نزول جنودها على الأرض والقتال عبر جيوش الآخرين وببدل مادي مدفوع من دول النفط فإن أميركا مستمرة في حربها طالما تنصب نفسها من جديد قائدة للعالم باسم مقاومة الإرهاب الذي صنعته وتستعمله لإسقاط أعدائها وفرض سيطرتها.
هل ستستيقظ شعوب وحكومات المنطقة لتحمل مسؤولياتها في قتال التكفيريين دون الإعتماد على الذئب الأميركي ؟!