تركيا تخبط أم تراجع في سوريا
د.نسيب حطيط
تتسارع المواقف والأفعال التركية على المستوى الداخلي والخارجي خاصة في سوريا ،حيث ينقسم المراقبون الى فئتين ،واحدة متفائلة تعتبر ان تركيا قد غادرت خنادقها الأميركية ودعم المعارضات السورية لإسقاط الرئيس الأسد وتفتيت سوريا او استعمارها من جديد وتوسيع لواء الإسكندرون ليضم كل سوريا اليه وذلك بسبب الإنقلاب الفاشل الذي لم تتوضح معالمه ووقائعه الحقيقية حتى الآن بالإضافة لشعور الأتراك انهم مهددون على مستوى الكيان والدولة التركية من الأكراد الذين يراكمون إنجازاتهم في سوريا والعراق وتركيا على طريق إعلان كردستان الكبرى التي ستسلخ 20 مليون كردي – تركي مع الجغرافيا التي يسكنون عليها مما يفتت تركيا وتفسح الطريق أمام الأتراك العلويين للعودة مع جغرافيتهم أيضا" للدولة –الأم سوريا.
يتراقص أردوغان وحيدا" على حبال الإنقلاب وتطهير الدولة من خصومه وفي مقدمتهم "فتح الله غولن" وعلى الحبال الكردية في الداخل مع حزب العمال الكردستاني ومع الأكراد في سوريا دون مغادرة مواقعه في دعم المعارضات السورية ضد النظام والجيش السوري مع بعض تدوير الزوايا في التصريحات الإعلامية التي تحمل بعض التراجع التكتيكي حول مصير الرئيس الأسد دون أفعال حقيقية ملموسة على الحدود التركية –السورية.
اما الفريق الآخر المتشائم فيرى ان تقاطع المصالح الظرفي بين محور المقاومة وتركيا قد فرضا على الفريقين المساكنة الميدانية والسياسية نتيجة الصمود و الإنتصارات التي تحققها سوريا وحلفائها في الميدان وغباء ومغامرة الأكراد الذين وقعوا في فخ الوعود الأميركية الخادعة والتي سرعان ما تراجع عنها الأميركيون وأمروا الأكراد بالإنسحاب من منبج الى شرق نهر الفرات وفق الشروط والمطال التركية .
صحيح ان سوريا وحلفاؤها يستفيدون الآن من الإستدارة التركية ومن الصراع التركي – الكردي وعلى ضفافه الصراع مع داعش ضد الفريقين سواء بالظاهر او الميدان ،لكن ذلك مرهون بالتوسع التركي في الشمال السوري لتهيئة جغرافيا نقية للمعارضات السورية التي تدار من تركيا لفرضها على طاولة المفاوضات كفريق مستقل عن وفد الرياض الذي احتكر تمثيل المعارضة والذي تديره السعودية وتم إقصاء تركيا وقطر من الشراكة السياسية وحصد النتائج – إن وجدت- ودعم هذه المعارضة في معركة حلب لإرساء معادلة دمشق- حلب والتي تؤشر الى بوصلة الحل في سوريا، فإذا تمادت تركيا في ذلك فإنها تضع جيشها بمواجهة الجيش السوري وما سينتج عنه من تداعيات دراماتيكي تستدعي التدخل الإيراني والروسي بشكل رسمي واضح وخطورة استدراج الناتو للمعركة لدعم تركيا وهذا ما لا تريده اميركا وروسيا وبقية العالم نظرا" لتداعيته العالمية الكارثية.
الظاهر ان روسيا و اميركا كممثلين للمحاور المتصارعة يريدان التعجيل بالحل السياسي في سوريا والمنطقة كسلة واحدة لا تستثني البحرين واليمن والعراق وسوريا وورائهما لبنان لحماية مصالحهما وحصار الجماعات التكفيرية من داعش والنصرة اللتان بدأت جحافلهما تتفلت من السيطرة الأميركية والأوروبية وتهدد الأمن العالمي والإكتفاء بتجميع بعض المعارضات السورية ووصفها بالمعتدلة وضمها لحكومة وحدة وطنية برئاسة الرئيس الأسد والمراهنة على الزمن لتغيير الواقع السوري على نار هادئة وبالقوة الناعمة بعد فشل الحرب المدمرة منذ حوالسي ست سنوات.
هل تريد أميركا تبديل أولوياتها وتبدأ بتقسيم تركيا ونقل المشكلة الى الداخل الإيراني الذي تعتبره أميركا العقبة الرئيسية امام مشروعها ثم الإنقضاض على روسيا ثانية لتفكيكها كما فعلت بالإتحاد السوفياتي سابقا"؟
اميركا تخطط ومحور المقاومة مع شركائه يتصدى وليس كل ما تكتبه اميركا يصبح واقعا" وقدرا" ... لكن الثابت أننا ندفع ونخسر جميعا" والرابح الوحيد هي أميركا والعدو الإسرائيلي وكلنا ضحايا بما فيهم الأتراك الشعب المسلم الذي انتظر اكثر من خمسين عاما" بعلمانيته لدخول الإتحاد الأوروبي ولم يفز بالجائزة ولن يفوز مهما تنازل وكذلك الأخوة الأكراد ضحايا القوى العالمية منذ الحرب العالمية الأولى ولم يتعلموا من التاريخ .
تركيا تتخبط وتلطم نفسها وجيشها وتضرب بكل الإتجاهات ..فهل يسقطها الأميركيون لنسقط بعدها..أم تستيقظ وتعود لرشدها وأمتها فننجو جميعا"؟