تركيا من المستفيد من الإنقلاب.!
د.نسيب حطيط
إحتل الإنقلاب الملتبس في تركيا دائرة الإعلام والتحليل والمتابعة تشترك فيما بينها بالإلتباس والتخمينات أو التحليل وفق الرغبات والأمنيات دون التمكن من الإرتكاز على الدلائل أو المعلومات الدقيقة والصحيحة والمشكل أن كل المتهمين خارجيا" بالإنقلاب ينفون أو يصمتون أو يتجنب أردوغان وحكومته توجيه الإتهام لهم !
يشكل هذا الإنقلاب سابقة في تاريخ الإنقلابات في تركيا بفشله المباشر أولا" و إستثنائيته بأنه أستطاع تفجير الدولة التركية شعبا" وجيشا ومؤسسات من الداخل بما يشبه حدوث عملية إنتحارية حيث فجّر الإنقلابيون أنفسهم بالدولة التركية سواء عن قصد أو نتيجة الفشل بإحتلال السلطة ونظام الحكم والمشكلة الأكثر إلتباسا" أن المتهمين بتدبير الإنقلاب يكاد يكون إتهامهم سذاجة أو مزاحا" سياسيا" ثقيلا يقارب الفكاهة والمستحيل وفق التالي :
- الإتهام لأردوغان نفسه بتدبير الإنقلاب على نفسه للتمكن من مصادرة الدولة وإعادة بناء الجيش التركي الذي يمثل هاجسا" مقلقا" لمشروع أردوغان الإستراتيجي المتمثل ب(العلمانية الدينية ) او (الإسلام التركي) الحديث حيث يرتكز على (أن ماللــه للـــه وما للسلطان للسلطان) فالصلاة لله سبحانه والحكم للسلطان وللصلاة أوقاتها ومساجدها وللخمر وإسرائيل ساحاتهما ولا ضير في الجمع بينهما !
- الإتهام لأميركا حليف تركيا الإستراتيجي والتي تعتمد عليها كنافذة في الشرق الأوسط مع إسرائيل للإمساك بالمنطقة وتهديد روسيا وإيران لكنها في المقابل الحاضن الأساسي لخصم أردوغان اللدود (فتح الله غولن) المقيم في بنسلفانيا والمتهم من أردوغان بأنه يدير الدولة الموازية أو الدولة داخل الدولة عبر مناصريه في كل المستويات والقطاعات .
- المتهم الثالث والذي يثير الإستغراب هم الإنقلابيون أنفسهم والذين يكادوا يغيبون عن المسرح الأحداث إلا بشكل هامشي عبر أخبار إعتقالهم او طردهم من وظائفهم حتى باتوا المتهم ألأضعف والمغيب عن الإتهام حيث تم إظهارهم كأدوات منفذة غير أساسية في المشهد وأنهم انتهوا بمجرد إنجاز التمثيل الميداني لمجريات الإنقلاب .
والسؤال المطروح من هو قائد الإنقلاب الحقيقي في تركيا؟
من هم المستفيدون من فشل الإنقلاب ؟
من هم المستفيدون سواء نجح أو فشل الإنقلاب؟
ما هو مصير تركيا بعد الإنقلاب؟
الظاهر أن الإجابة على بعض الأسئلة غير متوفر الآن إلا في إطار التحليل ولكن المؤكد أن ألأميركيين خصوصا" على علم أو تأييد للحركة الإنقلابية حتى تاريخ فشلها وهم يعملون على حماية المتهمين سواء في الداخل عبر وقوفهم ضد إعادة العمل بعقوبة الإعدام او عبر رفضهم تسليم المتهم (غولن ) ،وكذلك فإن أردوغان متهم وقفي دائرة الشبهة وفق بعض الوقائع المريبة إبتداء من عدم إسقاط طائرته من قبل الإنقلابيين مع تمكنهم من ذلك بالإضافة لمشاركة مساعده ومستشاره العسكري في الإنقلاب والمستشار القانوني لرئيس الأركان الموالي لأردوغان الذي أعتقله الإنقلابيون ولم يقتلوه ثم أطلق سراحه بما يوحي بأنه كان يدير الإنقلاب من رئاسة الأركان بقناع الإنقلابيين والذي يثير الدهشة ويوجه أصابع الإتهام لأردوغان وحزبه يتمثل بما وصف بالقرارات المسبقة التحضير والسريعة من عزل آلاف القضاة غير المعنيين بالإنقلاب ورفع شعار تطهير الدولة والجيش من الخونة والعملاء (أنصار غولن ومعارضي اردوغان) حيث تبين أن لوائح الأسماء جاهزة ومطبوعة قبل الإنقلاب ولايمكن تحضيرها خلال ساعات كما حاول أردوغان الإيحاء بذلك.
لكن المهم في كل الإنقلاب أن محور المقاومة المواجه للمشروع الأميركي وأدواته الصهيونية والتكفيرية هو المستفيد ألأساسي سواء نجح أو فشل الإنقلاب سواء غاب أردوغان عن المشهد السياسي او بقي ،فإن فشل الإنقلاب المباشر يؤسس للصراع الداخلي التركي ويقسم المجتمع المدني ويصدّع الجيش والمؤسسات الأمنية وهيكلية الدولة وهذا ما أظهرته القرارات الصادرة بعد الإنقلاب، مما سيحوّل تركيا من لاعب أساسي ومتوحش في سوريا الى مريض يعالج نفسه من أمراضه الداخلية ويساعد على إغلاق البوابة الرئيسة للمشروع الأميركي ضد محور المقاومة وقلبه في سوريا.
إن ما كشفه الإنقلاب التركي هو الفارق بين أردوغان التركي الذي يقاتل من أجل نفسه وأحلامه في السلطنة ولو أحرق تركيا كما فعل نيرون وبين الرئيس الأسد الذي يقاتل من اجل سوريا والمقاومة حتى لو دفع الأثمان الباهضة ..لقد قتل اردوغان نفسه حتى لو بقي في الحكم الذي لن يطول فقد انتهت فترة صلاحيته أميركيا"، كما جرى للحمدين في قطر وستبقى سوريا والمقاومة يرقبون قوافل الراحلين من شيراك وساركوزي الى كلينتون الى الحمدي و بلير وكاميرون ومرسي وغيرهم ..!
الأسد على الشاشة وفي الميدان وأردوغان على السكايب من هاتف نقال!!
سياسي لبناني