تركيــا وخيــارات أردوغــان .
د.نسيب حطيط
تتجاذب السلطة التركية محاور ثلاث ،تحمل من المتناقضات ما يجعلها تسير على حافة الهاوية وتدفعها إلى القرارات الخاطئة أو المكلفة، فتركيا تحتار بين ماضيها العثماني والخلافة العلية والإمبراطورية المترامية الأطراف في القارات الثلاث ،وبين الحاضر وطموحها الذي يؤرقها وتسعى لتوظيفه في لحظات الفراغ العربي والإسلامي لبناء مستقبل يضمن لها الريادة والقيادة على مستوى المنطقة ضمن المشروع الأميركي المسمى الشرق الأوسط الجديد
أما المحور الثاني فهو على المستوى الفكري العقائدي بين الإسلام والعلمانية التي دعا إليها مصطفى أتاتوك ،حيث يسعى اردوغان للبحث عن إسلام يوفق بين معتقدات الشعب التركي وعواطفه وبين متطلبات الضغوط الأميركية والأوروبية لصناعة إسلام مهجن بلا مخالب يقوم بدور المخدر أو الآداة لإخماد حركة الشعوب وإضفاء الشرعية على الإحتلال والغزو ونهب الثروات، بحيث يعمل لتاسيس إسلام يساهم في صناعة قيادات وأحزاب وجماعات دينها الإسلام وإيمانها العلمانية ونهجها السياسي الشراكة مع أميركا بشكل خاص بعنوان التبعية أو الأداة المنفذة.
أما المحور الثالث فهو تقرير التموضع السياسي والإقتصادي لتركيا التي رفضتها أوروبا لأكثر من ثلاثين عاما، وفرضت عليها القيود والشروط لتعديل دستورها وقوانينها وسلوكياتها لتسهيل قبولها في الإتحاد الأوروبي الذي يحافظ على هويته(المسيحية) دون أي حرج وتخاف أوروبا من إنضمام تركيا(الإسلامية)مع عدد سكانها الكبير الذي يمكن أن يؤثر على الميزان الديمغرافي الأوروبي بعد إضافة المهاجرين من شمال أفريقيا، خاصة وبعد الرفض الأوروبي اتجهت تركيا لمحيطها العربي والإسلامي لأخذ دور قيادي على المستوى السياسي بدل أن تكون تابعا للإتحاد الأوروبي، وكذلك سعيا للأرباح الإقتصادية نتيجة السيطرة على أسواق العالم العربي الكبيرة والتي تستطيع المنافسة فيها على مستوى الإنتاج والنوعية.
بين هذه الخيارات الصعبة يتحرك الثنائي (أردوغان – أوغلو) ضمن إستراتيجية الإنتماء للمحيط والتمهيد لمشروع الشرق الأوسط الكبير الذي تقوده أميركا وتطلبه إسرائيل لتحقيق مصالحها ،والذي يمهد له حزب العدالة والتمييز بمقاربة تثير التساؤل والإستغراب حول كيفية التوأمة بين التحالف الإستراتيجي مع إسرائيل والمحافظة على عضوية الناتو ودعم المقاومة الفلسطينية(حماس...)في خلطة سياسية عجيبة تحاول تلقيح العقل العربي والإسلامي بإمكانية التعايش بين الإسلام وبين الإحتلال والإستعمار والتي تحاول أيضا تعميم الإسلام الجامد البارد الذي يقتصر على الطقوس المفرغة من التأثير السلوكي وتحويله إلى ايقونة ومصحف يعلق على الحائط كتراث وليس كدستور ونظام حياة، وهذا ما دفع الرئيس الأميركي بوش للطلب من أردوغان إرسال أئمة وواعظين إلى العالم الإسلامي لتعميم النموذج الإسلامي التركي على طريقة أردوغان – أوغلو مع أنهم لم يحتملوا الإسلام الذي دعا إليه مؤسس الحركة الإسلامية التركية الحديثة نجم الدين أربكان والذي كان شديد العداء للصهيونية شكلا ومضمونا، فتم الإيعاز للجيش لمحاصرة أربكان مما اضطره لتغيير حزبه بعد حله أكثر من مرة وتم تغطية الإنقلاب التنظيمي عليه من قبل أردوغان عبر حزب التنمية والعدالة.
والسؤال المطروح مع كل الظروف الواقعية التي نتفهمها وظروف تركيا الإقتصادية والامنية هل قطعت تركيا - أردوغان علاقاتها مع إسرائيل؟
ما هي الخطوات العملية المؤثرة على الكيان الإسرائيلي؟
وهل يمكن تفسير نقل قيادة القوات البرية لحلف الناتو من أسبانيا وألمانيا إلى أزمير في تركيا لتأمين قواعد عسكرية رديفة أو بديلة عن القواعد العسكرية في العراق في حال تم سحب الجيش الأميركي منه؟
هل أعطت تركيا المرأة حقوقها الحجاب بشكل خاص؟
وهل أعطت الأتراك حقوقهم أو لم تستعمل معهم الأسلوب العنفي والقمعي والذي تعيبه على سوريا؟ مع تأكيد رفضنا لأي عمل عنيف بين الأنظمة وشعوبها وندعو للحوار البناء والنقد الإصلاحي المرحلي غيرالإنفعالي أو المتسرع وذلك لضمان النتائج.
لماذا وقف أردوغان في مؤتمر جدة ضد السوق الإسلامية المشتركة بحجة عدم دعمه التجمعات ذات الهويةالدينية أو القومية مع أنه يسعى للإنضمام للإتحاد الأوروبي ذو الهوية الجغرافية والدينية(المسيحية).
هل سيقرأ أردوغان التاريخ الإنساني والسياسي وبشكل خاص تاريخ العلاقات الأميركية مع حلفائها من شاه إيران إلى حسني مبارك إلى زين العابدين بن علي إلى صدام حسين وغيرهم حيث تخلت أميركا عن حمايتهم ،عندما تهددت مصالحها وسارعت إلى تأييد الثورات لإستغلالها أو مصادرتها ورشوتها بالمساعدات الإقتصادية لتمرير سياساتها.
قد تفرح الحكومة التركية بالوظيفة المعطاة لها والمهام المطلوب تنفيذها ضد سوريا والشرق الأوسط مقابل الوعود الأميركية بإعطائها قيادة المنطقة(المحور الإسلامي)والشراكة مع إسرائيل كدولتين نموذجيتين للديمقراطية والتقدم في عالم عربي متخلف يحكمه الملوك والأمراء.
لكن الشعب التركي المسلم الذي قاوم العلمانية و(التغريب)طوال مائة عام سيتغلب على القوى التي تريد إستغلال عقيدته وعواطفه وحرفها عن مسارها الأصيل، وسيسقط كل المراهنين على المشاريع الأميركية.