تسليح الضفة وتحرير فلسطين
د.نسيب حطيط
بعد نجاح تجربة تسليح غزة ،أطلق "الهلال المقاوم "شعار تسليح الضفة الغربية متجاوزاً شعار الإنتفاضة الثالثة ومعلناً سقوط المفاوضات العقيمة والخاسرة منذ إغتيال الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات.
إن شعار تسليح الضفة مقابل شعار نزع سلاح المقاومة في غزة والذي تسعى إليه إسرائيل وحلفائها بالنار والدولار يؤشر إلى رفض محور المقاومة التخلي عن السلاح بل والقفز إلى توسيع دائرة فعالية المقاومة إلى الضفة الغربية وأراضي 1948 ... مما أثار استهجان الكثيرين حول الشعار وتوقيته ومن أعلنه وفيه دلالات كثيرة ومنها:
- إن إعلان الشعار من قبل قائد الثورة الإسلامية الإمام الخامنئي يعطي للشعار الصدقية و والبعد الإستراتيجي بعيداً عن الخطابة أو التكتيك ويلزم الحكومة الإيرانية وأجهزتها العسكرية وكل الحلفاء تنفيذ فتوى تسليح الضفة مقابل فتوى محور التكفير القائل بأن الله لم يأمرهم بقتال إسرائيل !!
- تمكن المحور المقاوم من القيام بالفعل والبدء بالهجوم المضاد على مستوى المنطقة وساحاتها المتعددة المعارك بدل الإنتظار في موقف الدفاع وردة الفعل في الحرب العالمية الثالة (المحصورة ) والتي انخرط فيها العالم بدون إستثناء على ساحة الشرق الأوسط لتحديد معالم المنطقة وبعدها معالم المشهد السياسي الدولي وتقاسم التنفيذ.
- إن فتنة الربيع العربي التي بدأت منذ العام 2011 وهي مطلب حق يراد به باطل، لم تنجح في تهميش القضية الفلسطينية أو تبديل الأعداء فلقد أثبتت معارك غزة قدرة محور المقاومة على إعادة توجيه البوصلة وكشف عورات المنادين بالشعارات المذهبية (حماية أهل السنة) الذين يقتلون في غزة ولم يفتح معبر رفح لنقل جرحاهم او المساعدات الطبية إلى الخارج ...ونتساءل ماذا لو كانت غزة على حدود سوريا وإيران أو لبنان فهل بقيت محاصرة ؟
- أثبت محور التكفير الخليجي ومعه بعض العرب بأنه ضد المقاومة كمبدأ وخيار وليس ضد المقاومة لإنتمائها المذهبي (الشيعي) في لبنان بل ضد المقاومة (السنية) في غزة أو أي بلد يقاوم الغزاة الأميركيين أو الصهاينة فهم يحاربون المقاومة مهما كان اسمها وعقيدتها ومذهبها للقيام بدورهم التخريبي المشبوه لخدمة مشروع الشرق الأوسط الكبير كما خططت له أميركا.
- تمكن محور المقاومة من تجاوز "عوارض" التشتت الذي تعرض له من خلال إنكفاء وإنقلاب بعض حركات المقاومة على حلفائها واللحاق بالحاضنة الأم (الأخوان المسلمين) واستطراداً المحور القطري – التركي فقد أثبتت استراتيجية عدم الإنفعال وبرودة الأحكام والصدر الرحب فعاليتها في غزة حيث تمكنت من حماية المقاومة المسلحة (كتائب القسام) من الإنجراف مع الجناح السياسي الخارجي وتم إحتضان الجناح العسكري ليشكل مع الجهاد الإسلامي العمود الفقري للمقاومة التي توحدت فصائلها في الميدان وكذلك في فرض الشروط وحماية المنجزات خوفاً من التفريط بها بعدما بادرت حماس الخارج (جناح مشعل) تفويض تركيا الحليف الإستراتيجي لإسرائيل بالتفاوض عنها على الهدنة !!
ويمكن القول بإنتهاء الثنائية الفلسطينية (السلطة – حماس) واستبدالها بثنائية (السلطة- المقاومة) بالإضافة إلى كسر آحادية السيطرة على غزة وفي تفرد حماس إلى ثنائية (حماس – الجهاد) وصولاً إلى القيادة الجماعية للمقاومة الفلسطينية اليسارية والعلمانية والإسلامية (حماس – الجهاد – كتائب الأقصى – كتائب أبو علي مصطفى – الناصر صلاح و المقاومة الشعبية...) لبناء منظومة مقاومة شاملة لا يحتكرها أحد وتوحيد الطاقات واستثمارها في مشروع تسليح الضفة وتوسيع رقعة المقاومة على كامل فلسطين وعدم حصرها في قطاع غزة لتشتيت قوة الإحتلال من جهة وإشراك كل الشعب الفلسطيني في الداخل في دائرة العمل المقاوم المدني والعسكري.
لقد اعتاد العدو الإسرائيلي المبادرة لإفتعال الحروب والإجتياحات والقتال خارج أراضيه وإبعاد النار والقصف عن مواطنيه ومؤسساته وذلك منذ نشأته وحروبه المتكررة لكن إنقلاب الصورة قد بدأ منذ العام 1996 وتفاهم نيسان عندما كرست المقاومة في لبنان مبدأ توازن الرعب ومبدأ حماية المدنيين وتم تطوير هذه الإستراتيجية في العام 2006 عندما ضربت المقاومة الداخل الصهيوني ومدنه ومستوطناته لنقل النار إلى ساحاته وتأتي المقاومة الفلسطينية لإستكمال هذه المنظومة في العام 2014 وتنشر النار في تل أبيب وكل المدن والمستوطنات ...
لقد انتهى العصر الإسرائيلي بالقتال على أراضي الغير وبدأ عصر القتال على الجبهتين والضرب المتبادل ... مع فارق أنهم يختبئون في الملاجئ ونحن نموت فوق الأرض لكننا نصل إليهم عبر أنفاق الموت الآتي ليثأر لأطفال قانا وغزة وأخواتها.
يتساءل البعض هل تم تسليح الضفة قبل إعلان السيد الخامنئي أم أنه سيبدأ ؟
وماذا لو تسلحت الضفة بالأسلحة الخفيفة والعبوات في المرحلة الأولى ووصلت إلى مرحلة متقدمة كما حصل في غزة وهل سيصبح شعار تحرير فلسطين أمراً واقعاً وليس ملصقا أو شعاراً خطابياً ...؟
وهل ستبدأ إسرائيل بالتآكل بعد إصابتها بداء التسلح الداخلي وإنتقال المعركة إلى الداخل الفلسطيني بدل خوضها على الحدود أو ساحات الدول الأخرى خارج فلسطين ...
إن إعلان التسليح للضفة رسالة إلى المحور الأميركي الصهيوني بقدرة الهلال المقاوم على تحريك الساحات تماماً كما يفعل الأميركيون وأن الخطوة الأولى هي فلسطين ويمكن أن تكون الخطوة الثانية الساحات الأميركية والأوروبية إذا دعت الحاجة وفق معادلة المعاملة بالمثل ؟