تشويــه الإسلام بالعلمانيــة والعنــف والجهالــة2
د.نسيب حطيط
إن ما عرضناه في المقالة السابقة كان بعض أمثلة التشويه والتحريف العقائدي الحديث في القرنين الماضيين على مستوى الأنظمة المفترض أنها تنتمي إلى الإسلام وتحكم شعوبا إسلامية في تركيا وإيران وبعض البلاد العربية دون أن نشرح ما لاقاه الإسلام والمسيحية من حصار وإنكار في الفكر الإلحادي الشيوعي بعد الثورة البولشفية في الإتحاد السوفياتي والتي رفعت شعار (الدين أفيون الشعوب)وما جرى بعدها من (إبادة) فكرية وسلوكية للإسلام في جمهوريات الإتحاد السوفياتي والدول ذات المنحى الإشتراكي وإنعكاساته على مستوى النخب الثقافية والفكرية في العالم العربي خصوصا والإسلامي عامة، حيث ظهرت الأحزاب الشيوعية بأسمائها المختلفة الواضحة كفكر مادي أو أحزاب قومية بعنوان علماني استبعدت الفكر الإسلامي من الحياة العامة للشعوب والأنظمة ونشرت الكتب لنقد الفكر الديني ،ووصفه بالتخلف والرجعية وعدم مواكبة العصر وللتطور العلمي، وحملت الإسلام مسؤولية الفقروالتخلف والأمية وانعدام الحرية الذي تواجهه الشعوب مع أن الإسلام كان ضحية الحكام ووعاظ السلاطين.
والإبتلاء الأعظم للإسلام كان برجال الدين الذين وصفوا بـ(وعاظ السلاطين)أو علماء السلطة أو(علماء الحاكم)والذين لا يزالون حتى الآن ،وأبتلي الإسلام بمؤسسات دينية تتبع النظام والحاكم لتصبح مؤسسة النظام وأداة لتطويع وتدجين الجمهور العام(المتدين) والذي يتبع(الفتوى) دون التمحيص بعدالة الفتوى أوالمفتي ومدى تطابقها مع القرآن والسنة النبوية الشريفة فأصبح الحاكم يمسك بركائز السلطة الثلاث.
- السلطة والجيش.
- المال ووالوظائف .
- الفتوى الدينية.
وصارت الفتوى(غب الطلب)السياسي، يطلبها الحاكم لإضفاء الشرعية على أفعاله وتبرير أخطائه(أطع حاكمك ولو ألهب ظهرك بالسياط) وتطور هذا الإنقياد حتى صارت خطبة الجمعة بيانا يطبعه النظام ويقرأه أئمة المساجد(الموظفون)عند المؤسسة الدينية التابعة للنظام وتم تعميم ثقافة أن الحاكم(ولي الأمر)المطلق ويكاد يصبح ظل الله سبحانه وتعالى على الأرض وكل مخالفة له مخالفة وعصيان لله سبحانه ،إلى أن تطورت فكرة تصنيع (الإسلام التكفيري) العنيف الذي مهد الطريق أمام الغرب والصهيونية لإتهام الإسلام بالإرهاب وتعميم "فوبيا" الإسلام في الغرب وتحويل المسلمين إلى كائنات شريرة ضد الحضارة الإنسانية.
وبعد غزو الإتحاد السوفياتي لأفغانستان بادرت اميركا لتجميع بعض الخلايا الإسلامية من البلاد العربية والإسلامية للجهاد ضد الشيوعية في أفغانستان ظاهرا، لكنهم استعملوا كمتاريس بشرية أمام التمدد السوفياتي وصولا إلى تفكيكه وإنهيار الشيوعية كمنظومة فكرية وسياسية وعسكرية(حلف وارسو)مما سهل السيطرة الأميركية على العالم منذ التسعينات ،وقد عملت أميركا على تصنيع ما سمي(الأفغان العرب)الذين قاتلوا في أفغانستان وتم إستيلاد منظمة(القاعدة)منهم والتي كانت أسوأ(منتج إسلامي)على المستوى العقائدي أو السلوكي حيث لعبت دورا أساسيا في إظهار الإسلام كدين يعتمد الذبح والتفجير للأبرياء المدنيين بحجة عدم إسلامهم وانحراف عقيدتهم وتكفيرهم لكل من يخالفهم الرأي ،ولعبت القاعدة دور كلب الصيد الأميركي الذي يرسله الأميركيون إلى كل بلد يريدون غزوه أو حصاره، فتقوم القاعدة ببعض الأعمال العنفية ثم تأتي أميركا لتطهير البلد منهم أو لمعاقبة النظام عقابا له لاحتضانهم، وهذا ما يتكرر في أكثر من بلد عربي ومسلم(اليمن-الصومال-العراق...)
لقد ساهمت(القاعدة)المصنعة أميركيا والممولة عربيا والتي استحوذت على بعض الشباب البسيط الذي أنهكته الهزائم والتهميش والحصار، فتم استغلاله دينيا فوقع في فخ التضليل والضبابية في فهم المواقف فاندفع نحو التغيير عبر مصطلحات(الجهاد)و(النصرة)والتي قام بعض رجال الدين والمخابرات بغسل عقولهم وتلقيحهم فكريا وسياسيا ،لتغيير المجتمعات الإسلامية من الداخل كما حصل في الجزائر في الثمانينات والتسعينات وما جرى بين الجماعات الإسلامية ونظام أنور السادات أو كما يحدث في العراق من فتن مذهبية، ذهب ضحيتها العراقيون من كل المذاهب ،وتم تحييد الأميركيين بشكل كبير إلا من بعض ما تقوم به المقاومة العراقية الشريفة التي تقاتل الاحتلال الأميركي لتحرير العراق.
وبعد هذا التحريف المنهجي للإسلام كرسالة جاءت موجة جديدة من مرحلة( التسطيح )العقائدي عبر ما أطلق عليهم دعاة الفضائيات(غير العلماء) يؤازرهم بعض رجال الدين الجهلة والذين أصدروا فتاوى(إرضاع الكبير)أو قتل الفأر ميكي ماوس لنجاسته أو تعطيل العمل بالأحكام الشرعية للأحوال الشخصية وصولا لفتاوى عدم(قيادة السيارة) للنساء مع أن المرأة في التاريخ الإسلامي كانت تقود الجمال والخيول كوسائل نقل ضرورية للحياة.
وحوصر الإسلام في العقود الأخيرة بين فكي كماشة، واحدة عسكرية عنيفة وثانية عقائدية ساذجة، مما جعله فارغا من مضمونه وبعيدا عن أهدافه ،والتي تعتمد العقل والإيمان وحسن المعاملة والأخوة والتسامح ومقاومة الظالم والمحتل، وظهر إسلام يتلاعب به المستعمرون والحكام والجهلة من رجال الدين الموظفين أو السذج مما فجر المجتمعات الإسلامية وجعلها تعيش نار الفتن المذهبية والطائفية وتلهيها عن العدو الأساس المتمثل بأميركا وإسرائيل وحلفاؤهما، وصار المسلم عدو أخيه المسلم يستعين بأعدائه على شعبه وامته .