بعد إنتهاء الحرب الإسرائيلية على لبنان في آب2006 إنقسم الرأي العام اللبناني،فالمعارضة الوطنية والمقاومة يؤكدان الإنتصار سواء بالصمود العسكري طيلة ثلاثة وثلاثين يوما, وهزيمته عبر خسارة قوته الردعية وعدم تحقيق أهدافه المعلنة,وهي إطلاق الأسيرين وتعطيل القدرات الصاروخية للمقاومة,ونزع سلاحها لتسهيل الطريق أمام الإجتياح السياسي الأميركي للبنان كتعويض عن إخفاقاته في العراق وأفغانستان,وفريق 14شباط يؤكد هزيمة منطق المقاومة والثمن الباهظ المدفوع لبنانيا.والغريب انكفاء الموقف السياسي لفريق14 شباط عن العداء لإسرائيل,و خلط الموقف القومي والوطني والتاريخي,بالصراع السياسي الداخلي, الذي يبقى محكوما بسقف لن يتجاوزه أحد,وهو الوفاق السياسي والتوافق الداخلي,ونظرية لا غالب ولا مغلوب وعدم الإستئثار بالحكم.وبناء على ضبابية الرؤيا السياسية فقد إندفع هذا الفريق منذ بدء الحرب بتحميل المقاومة المسؤولية,وتبرئة إسرائيل من دورها العدواني والإرهابي,والذي سرعان ما كذبته تصريحات القادة الإسرائيلين بأن قرار الحرب،كان مهيأ منذ آذار 2006, وتمادى هذا الفريق في انحيازه,خاصة عندما لم يعترف بالإنتصار,حتى بعد ما إعترفت إسرائيل رسميا من خلال لجنة(فينوغراد)بإخفاقات وفشل القادة الإسرائيلين سياسين وعسكرين ,وتدحرج الرؤوس العسكرية والسياسية وإذا بالصراع السياسي الداخلي,يطيح بالإنجاز التاريخي الكبير.الذي أسقط مشروع الإستعمار الأميركي الجديد للمنطقة من خلال مشروع الشرق الأوسط الجديد . فبدل أن يحتضن اللبنانيون هذا الإنتصار لإستثماره في بناء الدولة القوية،والمجتمع المقاوم,وإتخاذه جسرا للنجاة من الإنقسام السياسي والتفكك,والتوتر المهيىء لمناخات الفتنة المذهبية والطائفية فإن هذا النصر الإستثنائي سقط تحت ضربات المفردات المذهبية,والكيد السياسي والضغوط الأميركية التي فرضت على بعض القوى السياسية خطابا منكرا للإنتصار،وخطابا محرضا للجمهور المصاب إنسانيا وماديا. المشكلة في لبنان،أننا لم نرتق إلى مستوى ثقافة الإنتصار أو ثقافة الكرامة،لم نعتد على القرار الحر،أو صناعة المستقبل،لأننا منذ تقسيم الوطن العربي بعد معاهدة سايكس- بيكو ونكبة فلسطين،لم تسمع أذاننا إلا أخبار الهزائم،ولم ترا أعيننا إلا صور قتلانا وبيوتنا المدمرة،لم تقدم إذاعاتنا وصحفنا إلا أخبار الهزيمة،والنصر بتقليل الخسائر،كانت الصدمة وقصر النظر السياسي ممزوجا بالإرتباط بالخارج مدماكا لمنظومة سياسية عملت على إجهاض النصر،وتحويله إلى موضوع متنازع عليه ومصدرا للخلاف بدل أن يكون عامل وحده وجامعا وطنيا لأن النصر لكل لبنان والعرب والأحرار.وقد سارعت بعض القوى السياسية وبضغط أميركي لطعن المقاومة من خلال خلافات مذهبية،إستقدم من أجلها العشرات مع التعبئة المذهبية لتتفجر هذه التعبئة المشبوهة بالجناح الآخر للمقاومة الوطنية وهو الجيش الوطني الذي دفع حتى اللحظة من الشهداء أكثر مما دفع أثناء الحرب الإسرائيلية,للإنتقام منه لعدم دخوله الصراع السياسي في لبنان. وسيستيقظ هؤلاء الذين أخطأوا بالإستعانة بالقادمين من الصحراء العربية ليجدوا في لحظة ما أنهم(أتوا بالدب إلى كرمهم)لأن هؤلاء المغرر بهم وجدوا أنفسهم ضحايا الأهداف الخاطئة والتعبئة المشبوهة،فكان نهر البارد(المحرقة)الحزينة التي أصابت الوطن بجيشه، والفلسطينين بأمنهم وسكنهم،والمغرر بهم بأنفسهم وعوائلهم،ولا نعرف إذا كان مقاولوا المشروع الأميركي سيستمروا في خطيئتهم أم يعودوا إلى رشدهم الوطني بالوحدة الوطنية، والعمل للوطن لا للخارج،ليعود الجميع ويحتفلوا بالإنتصار التاريخي،ويكونوا شركاء فيه وليسوا أعداء له ولأهله.