إن الضعف السياسي والعسكري وحتى الاقتصادي للقضية الفلسطينية، شجع الاحتلال على ممارسة الاغتصاب المتكرر للأرض والمقدسات ، وللكرامة العربية والإسلامية ، وعدم الخوف من أي ردة فعل حتى كلامية ، وإن حصلت فهي لا تتجاوز رفع العتب الفارغ ، والذي خبره الصهاينة على مدى عقود ، بل وأنهم يتعاملون مع القرارات الدولية ، وكل الوسطاء والكلام والتحذيرات ، على أنها جزء من منظومة استنكار لا تستحق التعليق عليها ،إذ يعتقد الصهاينة أن القانون هو القوة التي تحكم ، وأن العدالة والحقوق ، مفردات يحددها الأقوى، بما ينسجم مع مصالحه ، وكل اعتراض لا يأخذ شكل القوة ، هو اعتراض غير فعال وغير جدير بالاهتمام.
لكن المفارقة أن ما اصطلح على تسميته دول وكيانات ، وما استتبعه من مصطلحات، السيادة والأمن القومي أو الوطني ، والتي ألزمت الأنظمة بالدفاع عن سيادتها بجيوش وشرطة سرية وعلانية ، وأجهزة أمن متعددة ، حتى صار القطاع العسكري والأمني هو استثمار الدولة الأساس ضد المواطنين والشعوب ، بديلا عن التنمية والتعليم وتأمين الاستشفاء ، أي حماية النظام وليس حماية الوطن أو الكيان ، وحتى يكون النظام بأمان لا بد من توقيع الاتفاقيات الدفاعية مع القوى العظمى خاصة أميركا ، واتفاقيات سلام مع الكيان الإسرائيلي المغتصب ، ومن شروط هذه الاتفاقيات حفظ الأمن الإسرائيلي ومنع المساس به ، كجزء من الأمن القومي لهذه ( الأنظمة ) ، وتوفير سبل الحماية ، ومنع المقاومة ،من الدفاع عن أهلها أو تأمين الطعام والدواء والسلام إليهم.
ولكن الأكثر خطورة، أن لا يبادر أي نظام أو مؤسسة عربية أو إسلامية لحماية القدس ، بل يتقبل التنازل عنها كأرض مقدسة، والتنازل عن رمزيتها الدينية والعقائدية ( أولى القبلتين ) و(كنيسة القيامة ) بما لهما من رمزية مقدسة عند المسلمين والمسيحيين وهدمهما بالمعطى المادي ، لاستكمال عملية الهدم الإيديولوجي والعقائدي والسلوكي للشعوب الإسلامية والمسيحية، ومن يتنازل عن ( أولى القبلتين ) فما المانع أن لا يتنازل عن ( ثاني القبلتين ) في ( مكة المكرمة ) وما بينهما من مقدسات مادية وعقائدية...؟
وعندما يتم التنازل عن المقدس، فما هو الشيء الذي لا يمكن التنازل عنه، سواء في الجغرافيا أو الثروة ، أو العقيدة أو الأمن، والخطر أن حالة الطاعة والتخاذل والهزيمة ، صارت من السلوكيات السياسية للأنظمة والجماعات وحتى الأفراد ، وأن الضعف الطريق الأوحد لحماية الذات الجماعية ، أو الفردية ، وأن الاعتراض والدفاع عن النفس جريمة وعمل قبيح لأنهما يؤديان إلى التهلكة.
وإذا كان العتب على الأنظمة المصنعة سياسيا من قبل أجهزة المخابرات الدولية ، والسلالات الملكية أو الرئاسية المفروضة أميركيا ، فهل أصبحت المؤسسات الدينية من الأزهر و المدارس و الحوزات الدينية ، غائبة عن الوعي السياسي والعقائدي ، ولا تتحرك في دائرة الفعل والتأثير في مجتمعاتها وأتباعها ، الذين ينزلوا إلى الشارع من اجل مباراة في كرة القدم أو غيرها ، أكثر من نزولهم لحماية القدس ومساعده ( المقدسيين ) في حماية مقدساتنا وعقائدنا الدينية.
لقد حوصرت القضية الفلسطينية ، وتراجعت من قضية إنسانية عالمية إلى إسلامية إلى عربية إلى فلسطينية إلى نصف فلسطينية إلى مقاومة دون سلطة والى ( مقدسيين ) فقط ، لا فلسطينيين نتيجة حصار القدس ومنع الفلسطينيين من الضفة الغربية وغزة من المشاركة في الصلاة للدفاع عن ( القدس ) وإذا كان هدم المنازل في القدس والحفريات تحت المسجد الأقصى وحوله من أنفاق وحفريات أثرية ، وإفراغ القدس من سكانها الأصليين ، وحصارهم لتهجيرهم ، للسيطرة عليها ،فإذا كانت كل هذه الاعتداءات الصهيونية لا تشكل تهويدا ، للقدس ، وطمس هويتها الإسلامية والمسيحية ، فماذا يعني تهويد القدس ، هل ينتظر العرب والمسلمون هدم المسجد الأقصى أو تحويله مع كنيسة القيامة إلى كنيس يهودي أو ( هيكل سليمان ) المزعوم...
سقوط القدس الهادئ ، وسكوت العرب الصارخ إدانة لكل مسلم ولكل مؤسسة دينية ، ومن ينتظر
الأنظمة إنما يبرر لنفسه المشاركة في جريمة ( تهويد ) القدس ، وضياع المقدسات ، فإذا كان البعض ضعيفا أو مترددا في إسقاط الأنظمة المتحالفة مع أميركا والعاجزة عن المواجهة ، فهل صار مئات الملايين من المسلمين والعرب عاجزون عن حماية مقدساتهم ، والتضامن مع المدافعين عنها،و يعجز العرب والمسلمون عن حماية سيادتهم الوطنية المنتهكة عبر أكثر من سفارة وجهاز مخابرات ، ولا يتحركون لمنع انتهاك القدس وتهديدها ، وبناء ( هيكل الصهيونية ) العنصرية.
وإن لم تكن القدس عاصمة للقداسة الإسلامية والمسيحية...
وإن لم تكن القدس عاصمة للدولة الفلسطينية.....الآن
إن لم تكن القدس عاصمة للثقافة العربية...
فلن تكون عاصمة ( لدولة إسرائيل ) ولن يهدم المسجد الأقصى لبناء ( الهيكل المزعوم)...