ثورة البحرين منذ مائة عام ولا تزال
د.نسيب حطيط
بدأت الثورة البحرينية قبل(الربيع العربي) في مطلع القرن التاسع عشر ضد غزو(آل خليفة)لجزيرة البحرين بمساعدة الإنكليز ويمكن توصيف حكم أل خليفة(بالإستعمار)المحلي كواجهة للإستعمار الذي تبدل من الإستعمار البريطاني إلى الإستعمار الأميركي في هذه السنوات عبر القواعد العسكرية والإشراف السياسي.
لقد إنطلقت أول إنتفاضة شعبية عام 1922 ضد الضرائب التي فرضت على كل مواطن بحريني(سني وشيعي)فوق الـ 16 سنة وضرائب على اللؤلؤ والمواشي والمحاصيل الزراعية لصالح أل خليفة وفق نظام(السيد والعبد)التاريخي.
وعادت الإحتجاجات وتجددت عام 1972 بعد الإستقلال ثم في الثمانينات وكان أكثرها دموية وتأثيرا إنتفاضة التسعينات حيث قتل أكثر من 40 مواطن بحريني وتم إخماد الإنتفاضة بتحقيق بعض المطالب الشعبية الثانوية، وقد تميزت الإنتفاضات والحركات الشعبية بالبحرين بأنها شاملة ووطنية وليست مذهبية إذ يشارك بها الشيعة والسنة والإسلاميون والليبراليون والعلمانيون بمواجهة القمع والتسلط للعائلة المالكة.
ويتهم البعض الثورة البحرينية بأنها تتحرك بأيد خارجية خاصة الإيرانية ،وأن الشعب البحريني تحرك بعد إنتصار الثورة الإسلامية عام 1978 لكن التاريخ يكذب هذه الإدعاءات وكما أسلفنا بأن الحراك الشعبي بدأ قبل ماية عام،ولا ننكر أن الثورة الإيرانية قد أعطت زخما وإندفاعا للبحرين وغيرها من دول العالم الإسلامي كتجربة شعبية رائدة يمكن الإستفادة من تجربتها لإسقاط الطواغيت والسلطات الظالمة.
ويتهم البعض الثورة البحرينية بالمذهبية بأنها ثورة(شيعية)وهذا خطأ أكبر فإذا راجعنا التاريخ والواقع فإنه يكذب ذلك أيضا مع وجوب عدم تجاوز أن نسبة الشيعة في البحرين تفوق الـ 70% بالماية من السكان ولذا فإن أكثرية المتظاهرين ستكون شعبية بحكم الأرقام وليس بشكل مخطط ومذهبي،وإلا كانت ثورة مصر سنية لأن الأكثرية الشعبية من أهل السنة والجماعة..
إن شعب البحرين ضحية تقاطع مصالح إقليمية ودولية منذ الإستعمار البريطاني وصولا للإستعمار الأميركي الحاضر وذلك من خلال الأمور التالية:
- موقع البحرين الجيوسياسي في منطقة الخليج،وأهميتها الإستراتيجية كقاعدة عسكرية وإستخباراتية للغرب وأميركا.
- موقع البحرين بالنسبة للسعودية،وتواصلها مع المنطقة الأكثر حساسية في السعودية(المناطق الشرقية)سواء على مستوى الكيان(الطائفة الشيعية)أو على مستوى آبار النفط الإستراتيجية،بالإضافة أن البحرين تشكل متنفسا للسعوديين الذين يريدون الإستجمام والتحرر من قيود هيئة المعروف والنهي عن المنكر،فيذهبون إلى البحرين وإلى النظام المتحرر.
- الحالة المذهبية المصطنعة أميركيا بالتعاون مع بعض الأنظمة والتيارات الدينية،والتي حاصرت ثورة البحرين إقليميا ودوليا وعانت اليتم السياسي والإنساني،ولم تلتفت إليها المؤسسات الدولية السياسية منها والعدلية والإعلامية وبقيت مغيبة و محاصرة ومتهمة منذ إنطلاقتها قبل حوالي السنتين،مع أنها تستحق التنويه والتقدير، إذ إستطاعت أن تضبط جمهورها وتحافظ على سلميتها رغم كل البطش الذي تعرضت له وإعتداءات على الأعراض والنساء والمستشفيات والمساجد والحقوق الدينية والمدنية،ومع ذلك حوصرت ولم يسعفها النفاق والخداع الغربي الذي يتباكى على حقوق الإنسان في سوريا وغيرها ويدعم بالسلاح المعارضة في سوريا لإسقاط النظام تحقيقا لمصالحه،بينما في البحرين تدعم أميركا وحلفائها النظام بالسلاح وبالدعم السياسي وصولا غلى التدخل العسكري عبر درع الجزيرة لتأمين مصالحها أيضا، مما يظهر أن أميركا والغرب ليسا مع الديمقراطية بل مع مصالحهم ولذا نرى التناقض بين دعم النظام هنا(ملوك وأمراء الخليج)وقمع المعارضة ودعم الجماعات المسلحة لإسقاط النظام(سوريا وإيران و...)
البحرين شاهد حي على إرادة الشعوب للتحرر،وتحمل العذابات وسلوك طريق الصبر،وستعبر البحرين سواء اليوم أو غد عبر التسوية السياسية الشاملة مع بدايات ربيع2013 بما فيها الملف السوري والنووي الإيراني وبقية الملفات في المنطقة على صعيد الكيانات السياسية(الدول)أو على مستوى التوزيع الديمغرافي للأقليات الدينية والقومية الذي تسعى وتخطط له أميركا ضمن الشرق الأوسط الجديد أو الكبير وتقف بمواجهته قوى المعارضة والممانعة على مستوى الحركات أو الدول المقاومة والتي إستطاعت حتى الآن عرقلة المشروع وتحجيمه لإلغائه،مما دفع الأميركيين وحلفائهم إلى إحراق الساحات المتمردة بعنوان (الفوضى الخلاقة) والتي ثبت عدم صحتها وصارت(الفوضى الهدامة) التي تسيل منها الدماء والقتل والخراب وتقسيم الشعوب والمجتمعات وإنعدام الأمن.
ثورة البحرين ثورة وطنية إنسانية...ستنتصر رغم الحصار والتشويه فذاك وعد الله سبحانه للمظلومين وكذلك سنة التاريخ.
وستسقط عروش الطغاة مهما طال الزمن... وتآمر المتآمرون لكن شعب البحرين صابر ومحتسب...وسيفوز بتحقيق مطالبه بعون الله سبحانه في نهاية المطاف في ربيع حقيقي وووطني وذاتي ومستقل غير مزيف.